الأطباء الجاهلين وعبارات العلماء -رحمهم الله- التي تقدمت وإن كانت في ظاهرها مختصة بالأطباء، إلا أنها تعتبر أصلاً نلحق به كل من كان في حكمهم كالمساعدين من المخدر، والمصور بالأشعة والمناظير، والممرضين ... ونحوهم، فكل هؤلاء ينزلون منزلة الأطباء في إيجاب الضمان عليهم إذا أقدموا على فعل أي مهمة وهم جاهلون بها علميًا أو نظريًا، أو علميًا ونظريًا، لاتحاد الموجب للضمان في كلتا الطائفتين "الأطباء، ومساعديهم" وهو إقدام الجميع على أداء مهمة في حال جهلهم بها.
وهذا الحكم من شريعتنا الغراء يعتبر غاية في العدل، وفيه صيانة لأرواح الناس وأجسادهم من عبث الأيدي الآثمة التي لا تخاف الله، ولا تتقيه، فتقدم على معالجة الناس غشًا وزورًا بادعائها للمعرفة والعلم.
فأما وجه العدل فلأن هؤلاء تسببوا في التلف والإضرار بأجساد الآخرين، ولم يتوفر في مثلهم الإذن الشرعي بجواز إقدامهم على ذلك الفعل الموجب للتلف، فكان المرضى مظلومين بما أصابهم من ضرر فوجب إنصافهم بتضمين هؤلاء الجاهلين، كالحال في غيرهم ممن يخطيء ويتسبب في ضرر بغيره.
ولا يشكل على الحكم بوجوب الضمان عليهم أن يقال: إن هؤلاء الأطباء الجاهلين إذا كانوا كالمعتدين والجانين، كما يفهم من كلام الإمام ابن قدامة -رحمه الله- الموجب لضمانهم، فإنه كان من المنبغي إيجاب القصاص عليهم لا الضمان لأن ذلك هو حكم القاطع المعتدي في قطعه.
لأنه يجاب بكون هؤلاء وإن كانوا في حكم المعتدى من جهة