المقصد الثالث في (الجهل)
والمراد به أن يقدم الإنسان على فعل أي مهمة من المهمات المتعلقة بالجراحة الطبية دون أن يكون أهلاً لفعلها.
وبهذا المعنى يشمل الجهل بنوعيه الكلي، والجزئي، لكن لما تقدم في المقصد الأول عند الكلام على الحالات التي يخرج فيها الأطباء عن الأصول بيان خروج الطبيب ومساعديه النظري والعملي انحصر الكلام هنا فيمن يقدم على فعل مهمات الجراحة وهو جاهل بها بالكلية، وهو ما يسميه العلماء -رحمهم الله- بالمتطبب [1]، أخذًا من قوله عليه الصلاة والسلام: "من تطبّب ولم يُعرف منه طبٌ قَبْلَ ذَلكَ" [2].
وهذا النوع من الموجبات يعتبر من أشدها وأعظمها جرمًا بعد موجب العدوان، نظرًا لما يشتمل عليه من الاستخفاف بحرمة الأجساد والأرواح وتعريضها للتلف، وقد اتفق العلماء -رحمهم الله- على اعتباره موجبًا للمسئولية فحكموا بوجوب الضمان فيه، وتأديب الشخص المرتكب له بما يوجب كفه، وزجر غيره عن الإقدام على مثل فعله كما سيأتي إن شاء الله بيانه في المطلب الثاني عند الحديث على الآثار المترتبة على ثبوت الموجبات.
والمقصود هنا الإشارة إلى كون الجهل من موجبات المسئولية. [1] الطب النبوي لابن القيم 109. [2] سبق تخريجه.