من أجيف ولم يستطع على خيط، وإبرة لخياطة جراحة إلا من عند رجل فمنعه حتى مات فإنه يضمن ديته" [1] اهـ.
وأما الخياطة في الحالات الأخرى كخياطة الشفة المفلوجة ونحوها، فإنها تعتبر في مرتبة الحاجيات، فيشرع للطبيب فعلها، وهي من الإصلاح المحمود شرعًا، فلا حرج في فعله ... والله تعالى أعلم.
فهذه هي مجمل المهمات المتعلقة بالعمل الجراحي، وقد اعتنيت باختيار أهمها خاصة ما تتعلق به المسائل والأحكام الفقهية، وهناك مهمات أخرى يمكن للطبيب من خلال هذه المهمات المذكورة أن يستخلص أصول حكمها، حيث ظهر مما تقدم أن المهمة إذا توقفت حياة المريض ونجاته على فعلها كانت ضرورية ورخص له وللطبيب الجراح أن يفعلها لمكان الضرورة، وأما إن كانت دون ذلك بأن بلغت مقام الحاجيات فإنها تنزل منزلة الضرورة ويرخص فيها أيضًا.
وينبغي على الطبيب أن يوازن بين المفاسد والمصالح المترتبة على الإقدام والإحجام عن فعل المهمة المتعلقة بالعمل الجراحي، ثم يُقْدِمُ على ما ترجح اعتباره من المصالح، ويحجم عن ضده.
ومن خلال نصوص الفقهاء المتقدمين -رحمهم الله- التي سبق ذكرها في هذه المهمات يتبين لنا بجلاء ثراء المادة الفقهية في الشريعة الإسلامية، وشمولية قواعدها الفقهية، ومرونتها في الأحكام، وأنها امتازت بالتأصيل الذي يسهل معه تخريج الفروع والنوازل عليه، وليس ذلك بغريب على هذه الشريعة المنزلة من الحكيم الخبير، الصالحة لكل زمان ومكان. [1] مواهب الجليل للحطاب 5/ 224.