وهذا الحكم [1] متفق عليه عند جماهير الفقهاء من الحنفية [2]، والمالكية [3] والشافعية [4]، والحنابلة [5] -رحمهم الله-.
وهو كما يدلنا على اعتبارهم لشرط الحاجة، فإنه يدلنا على أمر آخر يتعلق بهذا الشرط وهو أن اعتباره ليس موقوفًا على حال العقد فحسب، بل إنه يسري إلى وقت مباشرة فعل الجراحة، فإذا شخَّص الطبيب المرض وخلص إلى لزوم الجراحة، وحكمنا له وللمريض بجواز فعلها، والإذن بها، ثم زال ذلك المرض قبل مباشرة الطبيب لفعل الجراحة، فإنه حينئذ لا نقول ببقاء الحكم بجوازها بناء على تحقق الشرط المعتبر في الحالة الأولى، بل نحكم بالرجوع إلى الأصل الموجب لحرمة فعل الجراحة نظرًا لتخلف الشرط عند حال المباشرة للفعل.
ومن أمثلة ذلك ما يجري في الجراحة العصبية حيث يشتكي المريض من ألم شديد في موضع معين من جسده، وبعد الفحوصات اللازمة يقرر الأطباء المختصون بأنه لا سبيل لزوال ذلك الألم الشديد إلا بقطع العصب الموصل للإشارات الحسية من المنطقة التي يشتكي منها
= البدن، وفيه ضرر به، إلا أنه استأجره لمصلحة تربو على المضرة، فإذا بدا له علم أنه لا مصلحة فيه بقي الفعل ضررًا في نفسه فكان له الامتناع من الضرر .. " اهـ. بدائع الصنائع 4/ 198. [1] أي فسخ الإجارة على فعل الجراحة إذا زالت الحاجة قبل المباشرة. [2] المبسوط للسرخسي 16/ 2، وبدائع الصنائع للكاساني 4/ 197، 198، والهداية للميرغيناني 3/ 205. [3] حاشية الدسوقي 4/ 36، ومنح الجليل لعليش 3/ 793، وجواهر الإكليل للأبي 2/ 192. [4] المهذب للشيرازي 2/ 406، وروضة الطالبين للنووي 5/ 185. [5] المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 126.