responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف    الجزء : 1  صفحة : 41
وقد حُكي عن العرب سماعاً: اذهب فاستأنس، هل ترى أحداً في الدار؟ بمعنى: انظر هل ترى فيها أحداً؟
فتأويل الكلام إذن إذا كان ذلك معناه: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تسلموا وتستأذنوا، وذلك أن يقول أحدكم: السلام عليكم، [أ] أدخل؟ وهو من المقدم الذي معناه التأخير، إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا، كما ذكرنا من الرواية، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -» [1].
وهذا هو الصواب إن شاء اللَّه تعالى في معنى الاستئناس [2].

[1] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 149.
[2] قال العلامة الإمام الشنقيطي - رحمه الله - تعالى: «اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ التَّعْبِيرِ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ بِالِاسْتِئْنَاسِ، مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَادَّةِ وَالْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ: أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ فِي لُغَةِ الْيَمَنِ: الِاسْتِئْذَانُ. وَفِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِمَا يُنَاسِبُ لَفْظَهَا وَجْهَانِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شَاهِدٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مِنَ الِاسْتِئْنَاسِ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الِاسْتِيحَاشِ; لِأَنَّ الَّذِي يَقْرَعُ بَابَ غَيْرِهِ لَا يَدْرِي أَيُؤْذَنُ لَهُ أَمْ لَا، فَهُوَ كَالْمُسْتَوْحِشِ مِنْ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أُذِنَ لَهُ اسْتَأْنَسَ وَزَالَ عَنْهُ الِاسْتِيحَاشُ، وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِئْنَاسُ لَازِمًا لِلْإِذْنِ أُطْلِقَ اللَّازِمُ، وَأُرِيدَ مَلْزُومُهُ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ، وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ، وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَالْقَائِلُونَ بِالْمَجَازِ يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ، وَعَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُطْلِقَ فِيهَا اللَّازِمُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِئْنَاسُ وَأُرِيدَ مَلْزُومُهُ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 53]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: {فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 28]، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ: وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ، وَالْإِرْدَافِ; لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاسْتِئْنَاسِ يَرْدِفُ الْإِذْنَ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْإِذْنِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْآيَةِ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِئْنَاسُ بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَامِ، وَالِاسْتِكْشَافِ، فَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مَنْ آنَسَ الشَّيْءَ إِذَا أَبْصَرَهُ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا أَوْ عَلِمَهُ.
وَالْمَعْنَى: حَتَّى تَسْتَعْمِلُوا وَتَسْتَكْشِفُوا الْحَالَ، هَلْ يُؤْذَنُ لَكُمْ أَوْ لَا؟ وَتَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَأْنِسْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، وَاسْتَأْنَسْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، أَيْ: تَعَرَّفْتُ وَاسْتَعْلَمْتُ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، أَيْ: عَلِمْتُمْ رُشْدَهُمْ وَظَهَرَ لَكُمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: 10]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} الْآيَةَ [القصص: 29]، فَمَعْنَى آنَسَ نَارًا: رَآهَا مَكْشُوفَةً، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:
كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي الْجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحِد
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ ... طَاوِي الْمُصَيْرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَد
فَقَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَأْنِسٍ، يَعْنِي: حِمَارَ وَحْشٍ شَبَّهَ بِهِ نَاقَتَهُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُسْتَأْنِسًا أَنَّهُ يَسْتَكْشِفُ، وَيَسْتَعْمِلُ الْقَانِصِينَ بِشَمِّهِ رِيحَهُمْ وَحِدَّةِ بَصَرِهِ فِي نَظَرِهِ إِلَيْهِمْ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ الْيَشْكُرِيِّ يَصِفُ نَعَامَةً شَبَّهَ بِهَا نَاقَتَهُ:
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا الْقَنَّا ... صُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الْإِمْسَاءُ
فَقَوْلُهُ: آنَسَتْ نَبْأَةً، أَيْ: أَحَسَّتْ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ، وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي هُوَ أَنَّ مَعْنَى تَسْتَأْنِسُوا تَسْتَكْشِفُوا وَتَسْتَعْلموا، هَلْ يُؤْذَنُ لَكُمْ، وَذَلِكَ الِاسْتِعْلَامُ وَالِاسْتِكْشَافُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِئْذَانِ أَظْهَرَ عِنْدِي، وَإِنِ اسْتَظْهَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ اتِّجَاهِهِ عِنْدَنَا.
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْآيَةِ: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَأَنَّ الْكَاتِبِينَ غَلِطُوا فِي كِتَابَتِهِمْ، فَكَتَبُوا تَسْتَأْنِسُوا غَلَطًا بَدَلَ تَسْتَأْذِنُوا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنْ صَحَّحَ سَنَدَهُ عَنْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ فَرَضْنَا صِحَّتَهُ فَهُوَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي نُسِخَتْ وَتُرِكَتْ، وَلَعَلَّ الْقَارِئَ بِهَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ; لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - أَجْمَعُوا عَلَى كِتَابَةِ تَسْتَأْنِسُوا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ، وَعَلَى تِلَاوَتِهَا بِلَفْظِ: تَسْتَأْنِسُوا، وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا فِي مَصَاحِفِهِمْ وَتِلَاوَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وَقَالَ فِيهِ: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} الْآيَتان [القيامة: 16 - 17] [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 6/ 167 - 168].
اسم الکتاب : إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف    الجزء : 1  صفحة : 41
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست