responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأحكام الشرعية لشهداء الثورات العربية المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 255
لَمَّا كَثُرَ الْمُدَّعُونَ لِلْمَحَبَّةِ طُولِبُوا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى، فَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْخَلِيُّ حِرْفَةَ الشَّجِيِّ، فَتَنَوَّعَ الْمُدَّعُونَ فِي الشُّهُودِ، فَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] [آلِ عِمْرَانَ:31] فَتَأَخَّرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، وَثَبَتَ أَتْبَاعُ الرَّسُولِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَهَدْيِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَطُولِبُوا بِعَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ الْعَدَالَةُ إِلَّا بِتَزْكِيَةٍ {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة:54] [الْمَائِدَةِ:54] فَتَأَخَّرَ أَكْثَرُ الْمُدَّعِينَ لِلْمَحَبَّةِ، وَقَامَ الْمُجَاهِدُونَ فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ نُفُوسَ الْمُحِبِّينَ وَأَمْوَالَهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ فَسَلِّمُوا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَإِنَّ {اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] وَعَقْدُ التَّبَايُعِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى التُّجَّارُ عَظَمَةَ الْمُشْتَرِي وَقَدْرَ الثَّمَنِ وَجَلَالَةَ قَدْرِ مَنْ جَرَى عَقْدُ التَّبَايُعِ عَلَى يَدْيِهِ وَمِقْدَارَ الْكِتَابِ الَّذِي أُثْبِتَ فِيهِ هَذَا الْعَقْدُ عَرَفُوا أَنَّ لِلسِّلْعَةِ قَدْرًا وَشَأْنًا لَيْسَ لِغَيْرِهَا مِنَ السِّلَعِ، فَرَأَوْا مِنَ الْخُسْرَانِ الْبَيِّنِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَنْ يَبِيعُوهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهَا وَشَهْوَتُهَا وَتَبْقَى تَبِعَتُهَا وَحَسْرَتُهَا، فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَعْدُودٌ فِي جُمْلَةِ السُّفَهَاءِ، فَعَقَدُوا مَعَ الْمُشْتَرِي بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ رِضًى وَاخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خِيَارٍ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، فَلَمَّا تَمَّ الْعَقْدُ وَسَلَّمُوا الْمَبِيعَ قِيلَ لَهُمْ: قَدْ صَارَتْ أَنْفُسُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ لَنَا، وَالْآنَ فَقَدْ رَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ وَأَضْعَافَ أَمْوَالِكُمْ مَعَهَا {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] [آلِ عِمْرَانَ:169] لَمْ نَبْتَعْ مِنْكُمْ نُفُوسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ طَلَبًا لِلرِّبْحِ عَلَيْكُمْ، بَلْ لِيَظْهَرَ أَثَرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ فِي قَبُولِ الْمَعِيبِ وَالْإِعْطَاءِ عَلَيْهِ أَجَلَّ الْأَثْمَانِ، ثُمَّ جَمَعْنَا لَكُمْ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ.
تَأَمَّلْ قِصَّةَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " وَقَدِ اشْتَرَى مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرَهُ، ثُمَّ وَفَّاهُ الثَّمَنَ وَزَادَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَعِيرَ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ قُتِلَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ، فَذَكَّرَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ حَالَ أَبِيهِ مَعَ اللَّهِ، وَأَخْبَرَهُ («أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُ، وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، وَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ») ".
فَسُبْحَانَ مَنْ عَظُمَ جُودُهُ وَكَرَمُهُ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ الْخَلَائِقِ، فَقَدْ أَعْطَى السِّلْعَةَ، وَأَعْطَى الثَّمَنَ، وَوَفَّقَ لِتَكْمِيلِ الْعَقْدِ، وَقَبِلَ الْمَبِيعَ عَلَى عَيْبِهِ، وَأَعَاضَ عَلَيْهِ أَجَلَّ الْأَثْمَانِ، وَاشْتَرَى عَبْدَهُ

اسم الکتاب : الأحكام الشرعية لشهداء الثورات العربية المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 255
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست