وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين , وأحظى الأمة بهما , فقواهم مجتمعة عليهما, وأما المتأخرون فقواهم متفرقة , وهممهم متشعبة , فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة , والأصول وقواعده قد أخذت منها شعبة , وعلم الإسناد , وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة.
فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية-إن كان لهم همم تسافر إليها - وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلَّت من السير في غيرها, وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها , فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة.
والمقصود: أن الصحابة -رضي الله عنهم -أغناهم الله عن ذلك كله, فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط مع ماخصوا به من قوى الأذهان وصفائها , صحتها وقوة إدراكها , وقلة الصوارف , وكثرة المعاون, وقرب العهد بنور النبوة (1)
(1) إعلام الموقعين لابن القيم (4/ 148).