اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 7
والثاني: مثال أهل الخيانة.
والثالث: مثال لأهل الغفلة.
فالأول: إذا تحرْك أو سَكَن، أو قام أو قعد، أو أكل أو شرب، أو نام، أو لبس، أو نطق، أو سكت كان كله له لا عليه، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد.
والثاني: إذا فعل ذلك كان عليه لا له، وكان في طرد وإبعاد وخُسران.
والثالث: إذا فعل ذلك كان في غفلة وبطالة وتفريط.
فالأول: يتقلب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة والقربة.
والثاني: يتقلب في ذلك بحكم الخيانة والتعدي، فإن الله لم يملكه ما ملّكه ليستعين به على مخالفته، فهو جان متعد خائن لله تعالى في نعمه عليه معاقبٌ على التنعم بها في غير طاعته.
والثالث: يتقلب في ذلك ويتناوله بحكم الغفلة والهوى ونهمة النفس وطبعها، لم يتمتع بذلك ابتغاء رضوان الله تعالى والتقرب إليه، فهذا خسرانه بين واضح، إذ عطل أوقات عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح والتجارات.
فدعا الله عباده المؤمنين الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس، رحمة منه بهم، وهيأ لهم فيها أنواع العبادة؛ لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظه من عطاياه.
وكان سرُّ الصلاة ولُبها إقبال القلب فيها على الله، وحضوره بكليته بين يديه، فإذا لم يقبل عليه واشتغل بغيره ولهى بحديث نفسه، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرًا من خطاياه وزله مستمطرًا سحائب جوده وكرمه ورحمته، مستطعمًا له ما يقيت قلبه، ليقوى به على القيام في خدمته، فلما وصل إلى باب الملك، ولم يبق إلا مناجته له، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينًا وشمالًا، أو ولاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك، وأقلّه عنده قدرًا عليه، فآثره عليه، وصيره قلبة قلبه، ومحل توجهه، وموضع سره، وبعث إيمانه وخدمه ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضًا عنه ويعتذروا عنه، وينوبوا عنه في الخدمة، والملك يشاهد ذلك ويرى حاله مع هذا، فكرم الملك وجوده وسعة بره وإحسانه تأبى أن يصرف عنه تلك الخدم والأتباع، فيصيبه من رحمته وإحسانه؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين، وبين الرضخ لمن لا سهم له: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف: 19]، والله سبحانه وتعالى خلق هنا النوع الإنساني لنفسه واختصه له، وخلق كل شيء له، ومن أجله كما في الأثر الإلهي: "ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عيك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له".
وفي أثر آخر: "ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كلّ شيء، وأنا أحب إليك من كلّ شيء".
وجعل سبحانه وتعالى الصلاة سببًا موصلًا إلى قُربه، ومناجاته، ومحبته والأنس به.
وما بين الصلاتين تحدث للعبد الغفلة والجفوة والقسوة، والإعراض والزَّلات، والخطايا، فيبعده ذلك عن ربه، وينحيه عن قربه، فيصير بذلك كأنه أجنبيًا من عبوديته، ليس من جملة العبيد، وربما ألقى بيده إلى أسر العدو له فأسره، وغله، وقيَّده، وحبسه في سجن نفسه وهواه.
فحظه ضيق الصدر، ومعالجة الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات، ولا يدري السبب في ذلك. فاقتضت رحمة ربه الرحيم الودود أن جعل له من عبوديته عبودية جامعة، مختلفة الأجزاء، والحالات بحسب اختلاف الأحداث التي كانت من العبد، وبحسب شدة حاجته إلى نصيبه من كل خير من أجزاء تلك العبودية.
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 7