اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 51
الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة .. ") [1].
وتعتبر المبادرة لحضور المسجد والانقطاع عن مشاغل الدنيا ومتاعبها في تلك اللحظات من أسباب الخشوع في الصلاة وإقبال المصلي على ربه. فإن المصلي كلما طال لبثه في المسجد واشتغل بالصلاة والقراءة والذكر والدعاء قبل إقامة الفريضة حضر قلبه، وسكنت جوارحه، ووجد نشاطًا وراحة وروحًا، فهو يقول: أصلي فأستريح بصلاتي، كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا بلال أرحنا بالصلاة" [2].
وإنك لترى علامات الهدوء والطمأنينة بادية على وجوه المبادرين حتى إنهم آخر أهل المسجد خروجًا في الغالب، وهم أولهم دخولًا، وانظر إلى حال المتأخرين الذين تفوتهم الصلاة أو بعضها فهم أسرع الناس خروجًا، مما يدل على أن للمبادرة والبقاء في المسجد لانتظار الفريضة أثرًا كبيرًا.
وبعد .. فهذه نبذة لا بأس بها في فضائل المبادرة لحضور الصلاة، لعلك بعد قراءتها أو سماعها تشمر مع المشمرين، راغبًا إلى الله تعالى أن يحقق لك هذه الفضائل، ويمنحك هذه الفوائد، فتكون من المفلحين.
الحكم الثالث الدعاء عند الخروج إلى الصلاة
إذ ارتدى المصلي ثيابه النظيفة واهتم برائحته وسواكه وخرج من بيته إلى المسجد سنّ له أن يدعو بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي ورد في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: رقدت عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستيقظ فتسوك، وتوضأ، وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم اعطني نورًا ... " [3].
واعلم أخي المسلم أن هذا الدعاء ورد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مواطن أخرى غير وقت الخروج إلى المسجد، فقد ورد في بعض الروايات عند مسلم: (فجعل يقول في صلاته أو في سجوده)، وعند البخاري في الدعوات: (فصلى ولم يتوضأ، وكان يقول في دعائه)، وعند الترمذي: (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغ من صلاته ... ) الحديث، وفيه زيادات. [1] تفسير ابن كثير (5/ 456)، والحديث أخرجه أحمد (3/ 128)، والنسائي (7/ 61، 62). وغيرهما من حديث أنس -رضي الله عنه-، وهو حديث صحيح. [2] راجع الوابل الصيب لابن القيم (ص 25، 26). والحديث أخرجه أبو داود (4985)، وأحمد (5/ 364)، وهو حديث صحيح. [3] أخرجه مسلم (763)، وأصله في البخاري، لكن جاء بدل قوله: (فخرج إلى الصلاة وهو يقول): (وكان يقول في دعائه). وانظر: شرح النووي على مسلم (6/ 295 - 298)؛ وفتح الباري (11/ 116)، وتحفة الأحوذي (9/ 367). وقد ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في (آداب المشي إلى الصلاة)، ص 4.
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 51