اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 46
يضاعف لمن يشاء، ولا يؤاخذ عباده المسلمين بما وسوست به صدورهم، ونووا من الشر ما لم يعملوه، وهذا كله لا مدخل فيه للقياس) [1].
وقال أيضًا: (هذا الحديث من أفضل ما يروى في فضل المنتظر للصلاة؛ لأن الملائكة تستغفر له، وفي استغفارهم له دليل على أنه يغفر له -إن شاء الله- ألا ترى أن طلب العلم من أفضل الأعمال. وغنمًا صار كذلك -والله أعلم- لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار ... ) [2].
واعلم أن في الموقوف الذي رواه مالك -رحمه الله- فائدة مهمة، وهي أن قوله في رواية البخاري: "ما لم يقم من مصلاه" خرج مخرج الغالب.
والمراد به المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد. فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرًا على نية انتظار الصلاة كان كذلك -إن شاء الله تعالى- ولا سيما إن كان لغرض يعينه على الانتظار كالانتقال من مكان بارد إلى دافئ أو من حار إلى بارد، أو ليستند إلى حائط ونحو ذلك. بل إن قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا في صلاة ما انتظر الصلاة" يفيد هذا المعنى، والله أعلم [3].
وقد جعل الله تعالى انتظار الصلاة بعد الصلاة من أسباب محو الذنوب وتطهير العبد من خطاياه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط" [4].
فالحديث بعمومه يفيد فضل انتظار الصلاة، والمبادرة بحضور المسجد. فإن الانتظار يشمل انتظار الوقت وانتظار الجماعة، كما يشمل انتظارها في المسجد بالحضور مبكرًا، وانتظارها في البيت أو الشغل أو السوق ليبادر بالحضور، وذلك لتعلق فكره وقلبه بها، فهو دائم الحضور والمراقبة غير ملته عن أفضل العبادات البدنية بشيء [5].
وتأمل كيف شبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الأعمال الثلاثة بالرباط الذي هو الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها. مما يؤكد فضل هذه الأعمال وعظيم مكانتها عند الله تعالى.
وقد ورد -أيضًا- في فضل المبادرة إلى المسجد التي من لوازمها توطن المسجد حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشش الله تعالى إليه كما يتبشش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" [6].
قال ابن الأثير: (البشّ: فرح الصديق بالصديق، واللطف في المسألة والإقبال عليه) [7]. وقد بوب ابن [1] التمهيد (19/ 26، 43). [2] المصدر السابق. [3] انظر فتح الباري (2/ 136)، والفواكه العديدة (1/ 102). [4] أخرجه مسلم (251). [5] انظر دليل الفالحين (1/ 366). [6] أخرجه ابن ماجه (1/ 262)، والحاكم (1/ 213). وقال: صحيح على شرط الشيخين، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1/ 202). [7] النهاية (1/ 130).
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 46