responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد    الجزء : 1  صفحة : 20
ونصبه قال: "يا بلال أرحنا بالصلاة".
أي أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه ومنزله وقرَّ فيه، وسكن وفارق ما كان فيه من التعب والنصب.
وتأمل كيف قال: "أرحنا بالصّلاة" ولم يقل: "أرحنا منها"، كما يقوله المتكلف الكاره لها، الذي لا يصليها إلا على إغماض وتكلف، فهو في عذاب ما دام فيها، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه ونفسه؛ وذلك أنَّ قلبه ممتلئ بغيره، والصلاة قاطعة له عن أشغاله ومحبوباته الدنيوية، فهو معذَّب بها حتى يخرج منها، وذلك ظاهر في أحواله فيها، من نقرها، والتفات قلبه إلى غير ربه، وترك الطمأنينة والخشوع فيها، ولكن قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها، فهو يؤديها على أنقص الوجوه، قائل بلسانه ما ليس في قلبه ويقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة، لا بها.
فهذا لونٌ وذاك لونٌ آخر.
ففرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيدًا ثقيلًا، ولقلبه سجنًا ضيقًا حرجًا، ولنفسه عائقا، وبين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيمًا، ولعينه قرة ولجوارحه راحة، ولنفسه بستانًا ولذة.
فالأول: الصلاة سجن لنفسه، وتقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات، وقد ينال بها التكفير والثواب، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها، وقد يعاقب على ما نقص منها.
والقسم الآخر: الصلاة بستان له، يجد فيها راحة قلبه، وقرة عينه، ولذَّة نفسه، وراحة جوارحه، ورياض روحه، فهو فيها في نعيم يتفكَّه، وفي نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص والدنو، والمنزلة العالية من الله عز وجل، ويشارك الأولين في ثوابهم، بل يختص بأعلاه، وينفرد دونهم بعلو المنزلة والقربة، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.
ولهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر والتقريب، كما قال السحرة لفرعون: {أَئِنَّ لَنَا لَأجرًا إِن كُنا نَحنُ الغالبينَ} [الشعراء: 41]، {قَالَ نَعَمْ وَإنكم لَمِنَ المقربِينَ} [الأعراف: 114].
فوعدهم بالأجر والقرب، وهو علو المنزلة عنده.
فالأول: مَثَله مثل عبد دخل الدار، دار الملك، ولكن حيل بينه وبين رب الدار بسترٍ وحجاب، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار والنظر إليه؛ لأنه محجوب بالشهوات، وغيوم الهوى ودخان النَفس، وبخار الأماني، فالقلب منه بذلك وبغيره عليل، والنفس مُكبَّة على ما تهواه، طالبة لحظها العاجل.
فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض، وليس له فيها راحة، ولا رغبة ولا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه ودنياه.
والقسم الآخر: مَثَلُهُ كمثل رَجُلٍ دخَل دار الملك، ورفع الستر بينه وبينه، فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك، بقيامه في خدمته وطاعته، وقد أتحفه الملك بأنواع التحف، وأدناه وقربه، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه، لما يجده من لذَّة القرب وقرة العين، وإقبال الملك عليه، ولذة مناجاة الملك، وطيب كلامه، وتذلُّله بين يديه، فهو في مزيد مناجاة، والتحف وافدة عليه مِن كلِّ جهة، ومكان وقد اطمأنت نفسه، وخشع قلبه لربه وجوارحه، فهو في سرورٍ وراحةٍ يعبد الله، كأنه يراه، وتجلى له في كلامه، فأشد شيء عليه انصرافه من بين يديه، والله الموفق المُرشد المعين، فهذه إشارة ونبذة يسيرة في ذوق الصلاة، وسرّ من أسرارها وتجل من تجلياتها.

اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد    الجزء : 1  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست