اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 109
مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت؛ إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا بذلك؛ أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج [1].
قال النووي: (فيه دليل لما قاله أصحابنا: إن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها من موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: "حتى نتكلم" دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام -أيضًا- ولكن بالانتقال أفضل؛ لما ذكرناه، والله أعلم) [2].
وعن رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر فقال له: اجلس، فإنما هلك الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أحسن ابن الخطاب" [3].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: من صلى المكتوبة ثم بدا له أن يتطوع فليتكلم، أو فليمش، وليصلّ أمام ذلك. قال: وقال ابن عباس: إني لأقول للجارية: انظري كم ذهب الليل؟ ما بي إلا أن أفصل بينهما [4].
فهذه الأدلة بينت مسألتين:
الأولى: أن الفصل بين الفريضة والنافلة قد يكون بالزمان، وقد يكون بالتحول من مكان إلى مكان، وقد يكون بالكلام، ففي الحديث الأول الفصل بالتقدم من موضع إلى موضع، وفي الثاني الفصل بالزمان، فإن الظاهر أن عمر -رضي الله عنه- لم يرد بالفصل فصلًا بالتقدم؛ لأنه قال له: اجلس، ولم يقل: تقدم أو تأخر [5]، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما الفصل بالكلام كما في حديث معاوية -أيضًا- وظاهره أنه لا يحصل الفصل بالذكر بعد الصلاة، وإلا لما احتاج ابن عباس على مخاطبة الجارية [6]. ويمكن أن يحمل هذا على الأكمل، والله أعلم.
وأكمل أنواع الفصل أن يتحول الإنسان إلى بيته فيصلي فيه النافلة؛ لما ورد عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" [7].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا" [8].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا قضى أحدكم في الصلاة في مسجده، فيجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا" [9].
قال القرطبي: (والخير الذي يجعل في البيت بسبب التنقل فيه هو: عمارته بذكر الله، وبطاعته، [1] أخرجه مسلم (883). [2] شرح النووي على مسلم (6/ 420). [3] أخرجه أحمد (5/ 368) بإسناد صحيح، وأخرجه أبو داود (3/ 309 عون) مطولًا، ولم يذكر أنها صلاة العصر. [4] أخرجه عبد الرازق (2/ 416) وابن أبي شيبة (1/ 89) وإسناده صحيح. [5] انظر: إعلام أهل العصر ص (117). [6] انظر: رسالة "حكم الفصل بين الفريضة والنفل" ص (21). [7] أخرجه البخاري (731) ومسلم (781). [8] أخرجه البخاري (432) ومسلم (777). [9] أخرجه مسلم (778).
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 109