اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 147
-رحمهم الله- بهذا الحديث على أن الجاسوس يقتل سواء أكان مسلماً أم كافراً على كل حال؛ لأنه يفضي بأخبارنا إلى أعدائنا والله الموافق] (1)
قلت: إن أخذ وجوب قتل الجاسوس من قصة حاطب رضي الله عنه غير ظاهر، فالحادثة تدل على الجواز، فتعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - بكون حاطب شهد بدراً يدل على جواز قتل من لم توجد فيه هذه العلة، أما الوجوب فيؤخذ من أدلة مستقلة، وسيأتي كلام للقاضي عياض منبهاً على هذا الأمر، والله تعالى أعلم.
فوجه التفريق بين من تاب قبل القدرة عليه فتقبل منه، ومن تاب بعدها فلا تقبل هو مشابهة هؤلاء الجواسيس لقطاع الطرق الذين فرق القرآن فيهم بين الحالتين تفريقاً جلياً فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة].
بل لا ينبغي أن يُختلف في أن ما يحصل من الأضرار الواسعة والمفاسد العريضة بسبب تجسس هؤلاء هو أكبر بكثير مما يحصل على أيدى قطاع الطرق الذين لا يكاد يتجاوز تعديهم -غالباً- قافلة أو سيارة أو عدداً محدوداً من الناس، ومع ذلك أنزل الله فيهم هذه العقوبة القاسية والنكال البليغ وسماهم محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد، فكيف بمن تكون حربه لله ولرسوله وللمؤمنين حقيقة يدركها كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفسادهم في الأرض أظهر من أن يظهر، وأشهر من أن يشهر، وهل هناك فساد أعظم من تمهيد السبيل لتسلط أعداء الله من اليهود والنصارى والمرتدين وإعانتهم على أخذ ديار الإسلام ودلالتهم على الفجوات التي منها يخلصون والثغرات التي من خلالها ينفذون؟
وقد رأينا كيف نص أكثر من عالم على أنهم أضر من المحارب، وزيادة ضررهم على المحارب لا تذكر ليعرف به مجرد وصفهم ويغلظ بسببه القول فيهم وعليهم، وإنما لما يترتب
(1) - شرح رياض الصالحين (6/ 639)
اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 147