اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 130
ولا شك أن الإجماع المدعى غير مسلّم، وبعيدٌ كل البعد عن الواقع؛ إذ إن الخلاف في المسألة معروف ومشهور، ومذاهب العلماء فيه متعددة، واختلافهم واقعٌ قبل عصر الإمام الطحاوي، ولا يزال الأئمة يحكونه وينقلونه.
وقريبٌ منه قول الإمام ابن بطال -رحمه الله-: [ومن قال بقتل الجاسوس المسلم فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين من العلماء، فلا وجه لقوله .. ] (1)
بل لقوله وجه قوي كما سيتضح إن شاء الله تعالى، فأما الحديث فأين وجه المخالفة المدعاة؟ بل الحديث -كما سيظهر- دالٌ على أن حكم مثله القتل وإنما منع من قتل حاطب شهودُه بدراً، وأما أقوال المتقدمين من الأئمة فقد مرّ بعضها وسيأتي المزيد.
القول الثاني: أن حكم الجاسوس المسلم حكم الزنديق، فإن جاء تائباً قبل القدرة عليه قبلت توبته، وإلا قتل ولا بد، وهو قول ابن القاسم وسحنون من أئمة المالكية.
واختُلف في تعريف الزنديق ولكن مجمل التعريفات تدور حول من يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
جاء في معجم لغة الفقهاء للدكتورين قلعه جي وحامد قنيبي: [الزنديق: لفظ معرب، ج زنادقة وزناديق ... من لا يدين بدين.* من يبطن الكفر ويظهر الاسلام. وكان يسمى في عصر الرسول صلى الله عليه وآله بالمنافق]. (2)
وقد اختلف العلماء في حكم الزنديق إذا لم يظهر الزندقة، ومذهب الإمام مالك رحمه الله -وهو المقصود هنا- أن الزنديق تقبل توبته إن كانت قبل القدرة عليه، وأما بعد ذلك فيتحتم قتله ولا تقبل له توبة، أما في الآخرة فأمره إلى الله، فإن كان صادقا مخلصاً ناصحاً فيها قبلت، وإن كان كاذباً مخادعاً مضمراً للكفر مصراً على ما كان يبطنه منه ففي نار جهنم خالداً فيها كغيره من إخوانه المنافقين والكافرين.
قال الإمام الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: [وَالْمُسْلِمُ كَالزِّنْدِيقِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْعَيْنِ هُنَا وَهُوَ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْقُلُ
(1) - شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 164)
(2) - معجم لغة الفقهاء (ص: 234)
اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 130