اسم الکتاب : الشفاعة في الحديث النبوي المؤلف : المحمدي، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 155
نزل بالمدينة (حُمى) الملاريا فلم تمض ايام حتى مرض بها بعض الصحابة، كأبي بكر وبلال ... فأستوخم الصحابة -رضي الله عنهم- جو المهجر الذي آواهم. ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود حتى قال سيدنا بلال - رضي الله عنه -:-
الا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل؟
وهل اردنْ يوماً مياه مجنه وهل يبدْوَنْ لى شامة وطفيل؟ (1)
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبرهم على احتمال الشدائد ويطالبهم بالمزيد من الجهد والتضحية لنصرة الإسلام فقال: ((لا يصبر على لاواء المدينة وشدتها احد من امتي إلا كنت شفيعاً يوم القيامة، ولا يدعها احد رغبة عنها إلا ابدل الله من هو خير منه)) [2].
يقول الشيخ محمد الغزالي: ((وهذا ضرب من جمع القلوب على المهجر الجديد حتى تطيب به وتنفر عن مغادرته)) [3] وهذا لا يعني ان الدعاء لمن صبر على جهد المدينة مقصور على تلك الفترة الزمنية لا بل هو مستمر إلى يوم القيامة فقد جاءت مولاة لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه - تستإذنه بالخروج من المدينة لشدة الحال في المدينة فقال لها عبد الله: ((اقعدي لكاع [4]، فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لايصبر على لاوائها وشدتها احد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)) [5] وقد جاء أبو سعيد المهري [6] يستإذن على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ايام الحرة [7] واستباحة المدينة وشكا اليه اسعارها، وكثرة عياله واخبره انه لا طاقة له على جهدها، فقال أبو سعيد: ((ويحك لا امرك بذلك فاني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ((لايصبر احد على جهد المدينة ولاوائها إلا كنت له شفيعاً أو
(1) طرف من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (1889) وله اطرف انظرها هناك وانظر فقه السيرة، محمد الغزالي ص184. [2] انظر تخريجه برقم (138). واللفظ هنا لأحمد. [3] فقه السيرة ص184. [4] تطلق على اللئيم وعلى الغبي وعلى العبد الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير، أنظر شرح مسلم، النووي9/ 151. [5] انظر تخريجه برقم (135). [6] قال إبن حجر في التقريب 8133:"مقبول"، وجاء في التحرير4/ 204 "بل ثقة". [7] وهي الايام التي استباح فيها يزيد بن معاوية المدينة عام 63هـ.
اسم الکتاب : الشفاعة في الحديث النبوي المؤلف : المحمدي، عبد القادر الجزء : 1 صفحة : 155