اسم الکتاب : الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها المؤلف : شحاتة صقر الجزء : 1 صفحة : 41
القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العَيْلة، وفتح به أعيناً عُمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم.
وعرَّفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدَعْ حسناً إلا أمرهم به، ولا قبيحاً إلا نهى عنه، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنَّه لَيْسَ شَيْءٌ يقرِّبُكُمْ إلى الجنَّة إلا قَدْ أمَرْتُكُمْ بِهِ، ولَيْسَ شيءٌ يقرِّبُكُمْ إلى النَّارِ إلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْه» (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدَعْ باباً من العلمِ النافع للعباد المقرِّبِ لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلاً إلا بينه وشرحه، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منه - صلى الله عليه وآله وسلم - وجزاه عن أمته أفضل الجزاء.
* وأصح القولين في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عمومَ العالمينَ حصل لهم النفعُ برسالتِه:
أما أتباعُه فنالوا بها كرامةَ الدنيا والآخرة.
وأما أعداؤُه المحاربون له: فالذين عُجِّل قتْلُهم موتُهم خيرٌ لهم من حياتهم؛ لأن حياتَهم زيادةٌ لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كُتِب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خيرٌ لهم من طُولِ أعمارهم في الكفر.
وأما المعاهِدُون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًا بذلك العهْد من المحاربين له.
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقنُ دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها.
الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها؛ فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمةً لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض.
ومما يحمد عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وآله وسلم - علم أنها خيرُ أخلاق، فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثًا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفوًا ومغفرةً، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا.