responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : جولة في كتابي (الأغاني) و (السيف اليماني) المؤلف : المجذوب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 447
ذلك الهاجس الطفولي أسأل نفسي: هذه القناطير المقنطرة من الدراهم والدنانير التي تتطاير أمام أتُنحَت لهم من الجبال أم تسيل بها الأودية؟! أم تقذف بها المصانع من بواتق المعادن الخسيسة، التي أعيننا بين أيدي الخلفاء والوزراء والندماء فلا تكاد تهتدي إلى مستقر لها.. من أين يأتي بها هؤلاء؟! يحاولن كيميائيو ذلك العصر تحويلها إلى المعادن النفيسة؟.. أسئلة محيرة لا نملك لها جوابا.. ولكنها تشق لنا الطريق إلى البحث عن مصادر هاتيك الأموال!، وعن المجاري التي تسلكها، والنتائج التي تصير إليها! ذلك التبذير الرهيب..
مرقب واحد فقط يقف بنا عنده ذلك البحث لنكتشف من خلاله أهم أسرار ذلك اللغز، فإذا هي كلها متشابكة حول العُرف العام الذي يطلق يد المسئول الأعلى في حياة الناس ودمائهم وأموالهم.. فبكلمة من شفتيه يسوق من يشاء إلى السجن المنسيِّ أو الموت المقضيِّ، وبأخرى مثلها يصادر حصائل أعمار الناس فيمسخ يسرهم فقرا ورياضهم قفرا.. وبكلمةٍ تُحَول أموال الدولة إلى أيدي العابثين يموهون بها جدرانهم بالذهب، وينصبون التماثيل في قصورهم الأسطورية، ويحشون بها أفواه السكارى لتحيل أصواتهم أغاريد تتموج فيها أنغام الطيور الشادية بمختلف الألحان!!.
أما الجماهير البائسة فعليها وحدها الصبر على الفاقة والحرمان، حتى يصير بها الأمر إلى مستقره من اليأس الذي يدمر الحدود ويحطم السدود، ويدفعها بقوة لا مرد لها إلى الهدم بعد البناء والاضطراب العام بعد السلام الذي طالما نعمت به في ظلالا الإيمان، حتى لَيجتاحُ الغوغاءُ البلدَ الذي كان حتى الأمس قبة الإسلام فإذا هو بين ليلة وضحاها مضرب المثل في الخراب، وإذا بالمئات الثلاث من ألوف أهلها الغافلين طعام سائغ للموت يتقاسمهم دجلة والحرائق الكاسحة فلا نرى لهم أثرا إلا من خلال رثاء ابن الرومي في مثل قوله:
لهف نفسي عليك أيتها البصر
...
ة لهفا يطول فيه هيامي
لهف نفسي عليك يا قبة الأس
...
لام لهفا يزيد منه ضرامي
ثم تتتابع حبات العقد حتى يتوقف قليلا عند اجتياح هولاكو بغداد فتزول بذلك جنة الدنيا.

اسم الکتاب : جولة في كتابي (الأغاني) و (السيف اليماني) المؤلف : المجذوب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 447
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست