وغيرها من الحلي الذي ليس بذهب ولا فضة، إلا أن يقصد به التجارة، ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم [1].
الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وكل ما كان اتخاذه محرماً من الأثمان لم تسقط زكاته باتخاذه؛ لأن الأصل وجوب الزكاة فيها؛ لكونها مخلوقة للتجارة، والتوسل بها إلى غيرها، ولم يوجد ما يمنع ذلك، فبقيت على أصلها)) [2].
وذكر رحمه الله تعالى أثناء كلامه على تحريم آنية الذهب والفضة، فقال: ((إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاة بغير خلاف بين أهل العلم، ولا زكاة فيها حتى تبلغ نصاباً بالوزن، أو يكون عنده ما يبلغ نصاباً بضمِّها إليه، وإن زادت قيمته؛ لصياغته، فلا عبرة بها؛ لأنها محرمة فلا قيمة لها في الشرع ... )) [3].
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حليًّا محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة أو نحوها)) [4].
السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال:
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، قديماً وحديثاً في زكاة الحلي المباح, الذي أُعد للاستعمال: هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ [5]. [1] انظر: زكاة الحلي: الذهب والفضة والمجوهرات، للدكتور/ محمد بن عثمان شبير، ص 28. [2] المغني لابن قدامة، 4/ 229، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 27. [3] المغني، 4/ 228، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 30. [4] فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 261. [5] اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مسألة زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال على أقوال أشهرها قولان:
القول الأول: القول بوجوب الزكاة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو ابن العاص - رضي الله عنهم -، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري، وأحد القولين في مذهب الشافعي، وهذا القول هو الذي دل عليه ظاهر الكتاب والسنة الصحيحة، وثبت فيه أحاديث صريحة، وأقوال بعض الصحابة - رضي الله عنهم -. انظر: المغني، لابن قدامة،
4/ 220، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 157، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 261، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 84.
القول الثاني: قول من قال: ليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا ظاهر المذهب، [أي مذهب الإمام أحمد] وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء - رضي الله عنهم -، وبه قال القاسم، والشعبي، وقتادة، ومحمد بن علي، وعمرة، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور)) رحمهم الله تعالى، واستدلوا بما روي عن جابر مرفوعاً: ((ليس في الحلي زكاة)) [رواه الدارقطني، 2/ 107وغيره، ولكن هذا حديث حكم عليه أهل العلم بالضعف؛ لأن في سنده إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية، وقد حكم عليه بالضعف، فسقط به الاستدلال، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 3/ 295، برقم 817، وقال: وللحديث علة أخرى وهي الوقف] وقد ثبت موقوفاً على جابر - رضي الله عنه -، فعن أبي الزبير عن جابر قال: ((لا زكاة في الحلي))، قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: ((يعار ويلبس)) [ابن أبي شيبة، 4/ 27، قال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالسماع، وقد تابعه عمرو بن دينار قال: ((سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير أخرجه الشافعي،
1/ 239، وأبو عبيد، 442/ 1275، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 295: ((وإسنادهما على شرط الشيخين)) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 38].
واستدلوا بفعل عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بنات أخيها محمد يتامى في حجرها، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 3/ 235، وصحح إسناده النووي في المجموع، والمباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285] وبما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 1/ 235، وصحح إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285]، واستدلوا بما جاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ((أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه، نحواً من خمسين ألفاً)) [السنن الكبرى للبيهقي،
4/ 138]، وسئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الحلي، فقال: ((ليس فيه زكاة)) [البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 138]، ولكن لم يثبت لمانعي الزكاة حديث صحيح صريح في عدم وجوب الزكاة، كما ثبت لمن أوجبها من عموم الأحاديث الصحيحة، وصريح وجوب الزكاة في حديث: عائشة, وأم سلمة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفاطمة بنت قيس، مع عموم آية سورة التوبة. ثم الآثار عن بعض الصحابة بعدم وجوب الزكاة معارضة بأحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعارضة بآثار صحيحة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعض الصحابة الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، ثبت عن بعضهم أنهم قالوا: بوجوب الزكاة في الحلي، ومن المعلوم: أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعارضه قول أحد من الناس كائناً من كان، فلا قول لأحد مع قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أحسن الإمام الصنعاني رحمه الله حين قال: [القول] الثاني: لا تجب الزكاة في الحلية وهو مذهب مالك، والشافعي في أحد قوليه؛ لآثارٍ وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية، ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للآثار [سبل السلام، 4/ 51].