وجواز الخطبة في الاستسقاء بعد الصلاة؛ لأنها في معناها إلا أنه لا وقت لصلاة الاستسقاء، ولكنها لا تفعل في وقت النهي بلا خلاف [1]، والأفضل أن تُصلّى في وقت صلاة العيد [2]؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وغيره [3]. [1] انظر: الإنصاف للمرداوي مع المقنع والشرح الكبير،5/ 411،والمغني، لابن قدامة، 3/ 335، والكافي له، 1/ 533، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 541. [2] انظر: في صفة صلاة العيد بالتفصيل ما تقدم في صلاة العيدين ((صفة صلاة العيد)). [3] اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صفة صلاة الاستسقاء، وهل تقدم على الخطبة أو تؤخر عنها: وقد ذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله: أنه لا يعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافًا في أنها ركعتان، وأن الرواية قد اختلفت في صفتها. فروي أنه يكبر فيهما تكبيرات العيد: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية، قال: وهو قول: سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وأبي بكر محمد بن عمر بن حزم، وداود، والشافعي، وحكي عن ابن عباس؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد))، وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر، كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها: سبعًا وخمسًا [أخرجه عبد الرزاق في باب الاستسقاء مع كتاب الصلاة، في المصنف، 3/ 85] قال ابن قدامة – رحمه الله -: ((والرواية الثانية أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع، وهو مذهب مالك، والأوزاعي، وأبي ثور، وإسحاق؛ لأن عبد الله بن زيد قال: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستقبل القبلة وحول رداءه، وصلى ركعتين)) وفي لفظ: ((استسقى فصلى ركعتين وقلب رداءه)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1012، ورقم 1026، ومسلم، برقم 894] ولم يذكر التكبير، وظاهره أنه لم يكبر، وهذا ظاهر كلام الخرقي، وكيفما فعل كان جائزًا حسنًا.
* وقال أبو حنيفة: لا تسن صلاة الاستسقاء ولا الخروج لها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى على المنبر يوم الجمعة، ولم يصلِّ لها، واستسقى عمر بالعباس ولم يصلِّ، وليس هذا بشيء؛ فإنه قد ثبت بما رواه عبد الله بن زيد وابن عباس، وأبو هريرة، أنه خرج - صلى الله عليه وسلم -، وصلى، وما ذكروه لا يعارض ما رووه؛ لأنه يجوز الدعاء بغير صلاة، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لِمَا ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرناه، بل قد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمرين، قال ابن المنذر: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الاستسقاء وخطب، وبه قال عوامُّ أهل العلم إلا أبا حنيفة، وخالفه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فوافقا سائر العلماء، والسنة يستغنى بها عن كل قول، ويسن أن يجهر بالقراءة؛ لِمَا روى عبد الله بن زيد قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة [فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله] وحول رداءه حين استقبل القبلة، ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1005، ورقم 1011، ورقم 1012، ورقم 1023، ورقم 1024، ورقم 1025، ورقم 1026، ورقم 1027، ورقم 1028، ومسلم، برقم 894] وإن قرأ فيهما بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فحسن؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: صلّى ركعتين كما كان يصلي في العيد [رواه أهل السنن وتقدم تخريجه] [المغني لابن قدامة، 3/ 335 - 337 ببعض التصرف].
* وقال الإمام النووي رحمه الله: ((أجمع العلماء على أن للاستسقاء سنة، واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا، فقال أبو حنيفة: لا تسن له صلاة، بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة، وقال سائر العلماء من السلف والخلف: الصحابة والتابعون فمن بعدهم تسن الصلاة، ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة، وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة، واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى للاستسقاء ركعتين، وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي، وبعضها كان في الخطبة للجمعة، ويتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها ولو لم يصلِّ أصلاً كان بيانًا لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة، ولا خلاف في جوازه، وتكون الأحاديث المثبتة للصلاة مقدمة؛ لأنها زيادة علم، ولا معارضة بينهما، قال أصحابنا: الاستسقاء ثلاثة أنواع: أحدها الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة، الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع الذي قبله، والثالث: وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين، ويتأهب قبله بصدقة، وصيام، وتوبة، وإقبال على الخير، ومجانبة الشر، ونحو ذلك من طاعة الله تعالى)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 439].
* وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((حديث عبد الله بن زيد يقتضي أن سنة الاستسقاء: الخروج إلى المصلى، والخطبة، والصلاة، وبذلك قال جمهور العلماء ... )) [المفهم للقرطبي، 2/ 538]. وانظر في صفة صلاة العيد أيضًا: [فتح الباري، لابن حجر، 2/ 499 - 501، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/ 319 - 323، والمفهم للقرطبي، 2/ 539، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 654].