اسم الکتاب : فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 6
تعالى فهو ليس من أفعاله وإن كان من مفعولاته، وذلك أن الله إنما خلق الشر لحكم بالغة تترتب على وجوده، فخلقه وإيجاده له ليس شرا وإن كان هو في نفسه شرا. ولذا لا يضاف الشر إلى الله تعالى، بل إما أن يدخل في العموم كقوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {الزمر:62}. أو يضاف إلى سببه كقوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ {الفلق:2}. أو يحذف فاعله كقول مؤمني الجن: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ {الجن:10}. ومن الثاني قول الخليل: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. {سُورَةُ الشُّعَرَاءِ:80}
قال شيخ الإسلام: وَاللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 7] وَقَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 88] فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ. فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى]: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 62] وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْفَلَقِ: 1، 2] وَالثَّالِثُ كَقَوْلِهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 10] وَقَدْ قَالَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6، 7] فَذَكَرَ أَنَّهُ فَاعِلُ النِّعْمَةِ، وَحَذَفَ فَاعِلَ الْغَضَبِ، وَأَضَافَ الضَّلَالَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 80]، وَلِهَذَا كَانَ لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخَيْرِ. وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الشَّرُّ فِي الْمَفْعُولَاتِ، كَقَوْلِهِ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 98]. انتهى. وهذا من تمام الأدب مع الله تعالى في الخطاب بحيث لا يضاف إليه مفردا إلا أشرف قسمي أفعاله سبحانه.
قال ابن القيم رحمه الله: وأما المسألة الخامسة وهي أنه قال: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم يقل المنعم عليهم كما قال المغضوب عليهم فجوابها وجواب المسألة السادسة واحد، وفيه فوائد عديدة: إحداها أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن الكريم وهي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله فمنه هذه الآية فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها، ولما ذكر الغضب حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول فقال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وقال في الإحسان الذين أنعمت عليهم. ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي
اسم الکتاب : فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة المؤلف : البدراني، أبو فيصل الجزء : 1 صفحة : 6