responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف    الجزء : 1  صفحة : 452
وعن ميمونه رضي اللَّه عنها: أن ناساً شكَّوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلابٍ [1] وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون)) [2].
وفي إفطار الحاج يوم عرفة من الفوائد: أنه يتقوَّى بذلك على الدعاء، والتضرع، والتذلل لله تعالى، ويزيد نشاطه في هذا الموقف العظيم.

سادساً: إذا غربت الشمس وتحقق من غروبها [3] انصرف الحاج إلى

[1] الحلاب: الإناء الذي يحلب فيه. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 421].
[2] متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم 1989، ومسلم، كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، برقم 1124.
[3] من اقتصر في وقوفه في عرفة بعد الزوال على جزء من النهار دون الليل، كأن يفيض من عرفات قبل غروب الشمس فقد انقسم العلماء رحمهم اللَّه في حكمه إلى فريقين:
الفريق الأول: قال: لا يصح حج من اقتصر على النهار دون الليل، فعلى هذا القول من وقف بعد الزوال يوم عرفة بعرفة، ثم أفاض قبل غروب الشمس فلا حج له، وبه قال الإمام مالك رحمه اللَّه، واحتج على قوله بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه بقي حتى غربت الشمس، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) [هذا لفظ البيهقي، 5/ 125، ولفظ مسلم، برقم 1297: ((لتأخذوا مناسككم))، فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا: الجمع في الوقوف بين الليل والنهار. [أضواء البيان، 5/ 259، 260]، قال الإمام ابن قدامة في الشرح الكبير، 9/ 171: ((قال ابن عبد البر: لا نعلم أحداً من العلماء قال بقول مالك)). [وانظر: الاستذكار لابن عبد البر، 13/ 34]، [والمغني لابن قدامة، 5/ 273].
الفريق الثاني: قول جمهور أهل العلم، ومنهم: الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وعطاء، والثوري، وأبو ثور، قالوا: حجه صحيح لا شك في ذلك، لحديث عروة بن مضرِّس، وفيه: ((من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفة قبل ذلك: ليلاً أو نهاراً فقد تم حجّه وقضى تفثه)). [أبو داود، برقم 1950، والترمذي، برقم 891، والنسائي، برقم 3040، وابن ماجه، برقم 3016، وتقدم تخريجه]. قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان عن قول مالك: 5/ 260: ((ولا يخفى أن هذا لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح في محل النزاع الذي فيه: ((وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)).
وهذا الفريق الثاني اختلفوا في وجوب الدم على من أفاض من عرفة قبل غروب الشمس على قولين:
القول الأول: يلزمه دم، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة، والشافعي، في أحد قوليه، والقول الآخر للشافعي: أن الدم سنة، قال الإمام ابن قدامة في الشرح الكبير، 9/ 170: ((ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل الغروب فعليه دم، يعني أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((فلم يزل [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص)). [مسلم، برقم 1218]،وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم))، [وهذا لفظ البيهقي،5/ 125]، ولفظ مسلم: ((لتأخذوا مناسككم))، قال المرداوي في الإنصاف، 9/ 170: ((هذا هو المذهب، وعليه الأصحاب)).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة، 2/ 511: (( ... لا يجوز الخروج من عرفة حتى تغرب الشمس ... ))،وقال الإمام النووي رحمه اللَّه في شرح صحيح مسلم، 8/ 435: ((ينبغي أن يبقى في الوقوف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى مزدلفة، فإن أفاض قبل غروب الشمس صح وقوفه، ويجبر ذلك بدم، وهل الدم واجب أم مستحب فيه قولان للشافعي، أصحهما أنه سنة، والثاني واجب، وهما مبنيان على أن الجمع بين الليل والنهار واجب على من وقف بالنهار أم لا؟ وفيه قولان: أصحهما سنة، والثاني واجب)).
القول الثاني: أن من وقف بعرفة بعد الزوال، ثم أفاض قبل غروب الشمس، فلم يجمع بين النهار والليل، فلا شيء عليه، وقد ذكر رواية عن الإمام أحمد، قال الإمام المرداوي في الإنصاف، 9/ 170: ((قوله: ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم، هذا هو المذهب ... وعنه فلا دم عليه كواقف ليلاً)).
وقد ذكر هذه الرواية ابن مفلح في الفروع، 6/ 50: بقوله: ((ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله في ((الإيضاح)) قبل الفجر، وقاله أبو الوفاء في مفرداته، وقيل: أو عاد مطلقاً، وفي ((الواضح)): ولا عذر له لزمه دم، وعنه: لا، كواقف ليلاً)).
وذكر الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 259: ((أن المقتصر على النهار دون الليل: أظهر الأقوال فيه دليلاً عدم لزوم الدم؛ لحديث عروة وفيه: ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه))، فقوله - صلى الله عليه وسلم - فقد تم حجه مرتباً له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلاً أو نهاراً يدل على أن الواقف نهاراً يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في عدم لزوم الدم، ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار هو الصحيح من مذهب الشافعي، لدلالة الحديث على ذلك، كما ترى والعلم عند اللَّه تعالى)).
والذي يترجح هو القول الأول: وهو أن على من أفاض قبل الغروب دم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج، فالواجب عليه أن لا يفيض إلا بعد غروب الشمس؛ لقول جابر المتقدم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه لم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص [مسلم، برقم 1218]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)) [هذا لفظ البيهقي، 5/ 125]، ولفظ مسلم: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) [برقم 1297]، وهذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف، ولا صارف؛ ولهذا قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 273: ((وعلى من دفع قبل الغروب دمٌ في قول أكثر أهل العلم: منهم: عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال ابن جريج: عليه بدنة، وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل، ولنا: أنه واجب لا يفسد الحج بفواته، فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات))، وأما حديث عروة بن مضرِّس، فلا يدل على جواز الانصراف من عرفة قبل الغروب ممن وقف بها نهاراً، وأنه لا شيء عليه، وإنما يدل على إجزاء وقوف من وقف بها ليلاً أو نهاراً [تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة افعل ولا حرج، لعبد المحسن العباد، ص 30].
وقال العلامة محمد بن إبراهيم رحمه اللَّه: ((ومما يدل على عدم جواز الدفع من عرفة قبل الغروب عدم إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة في ذلك مع ما يلقونه في طريقهم من الزحمة، وحطمة الناس، كما رخص لهم في الدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع)) [مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 6/ 84].
وقال شيخنا الإمام ابن باز في مجموع فتاويه، 61/ 142: ((من وقف بعد الزوال أجزأه، فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعد إلى عرفة ليلاً، أعني ليلة النحر)). وقال شيخنا أيضاً في الفتاوى، 17/ 261: ((ولا يجوز الانصراف قبل الغروب لمن وقف نهاراً، فإن فعل ذلك فعليه دم عند أكثر أهل العلم؛ لكونه ترك واجباً، وهو الجمع في الوقوف بين الليل والنهار، لمن وقف نهاراً)). [وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 333]، وتقدمت النقولات في القول الأول، واللَّه الموفق.
مسألة: لكن إذا أفاض من وقف بعرفة قبل غروب الشمس، ثم عاد إلى عرفة، فهل يسقط عنه الدم؟ فيه أقوال لأهل العلم:
القول الأول: إذا عاد نهاراً قبل غروب الشمس فوقف حتى غربت فلا دم عليه عند الإمام أحمد، ومالك، والشافعي، قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 273: ((فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهاراً فوقف حتى غربت الشمس، فلا دم عليه، وبهذا قال: مالك، والشافعي)).
القول الثاني: إذا أفاض قبل غروب الشمس، ثم عاد قبل الغروب أو بعده، لزمه الدم مطلقاً، ولم يسقط برجوعه ... )).
القول الثالث: إذا أفاض من عرفة قبل الغروب، فعاد قبل الغروب أو قبل الفجر فلا دم عليه. قال في الإنصاف، 9/ 172: ((وقال في ((الإيضاح)): ولم يعد إلى الموقف قبل الفجر، وقاله ابن عقيل في ((مفرداته))، فإن عاد إلى الموقف قبل الغروب أو قبل الفجر، عند من يقول به فلا دم عليه على الصحيح من المذهب، وعليه أكثرهم .. )). وانظر: الفروع لابن مفلح، 6/ 50.
والصواب هذا القول الثالث وهو ما اختاره شيخنا ابن باز، في مجموع الفتاوى، 16/ 142، وفي 17/ 163،قال: ((من وقف بعرفة نهاراً فعليه أن يستمر إلى الليل، فإن لم يفعل وانصرف قبل الغروب، ولم يعد بعد الغروب فعليه دم، وإن عاد بعد المغرب فوقف ليلاً ... فلا شيء عليه)).
واختاره أيضاً العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 333: (( ... إذا عاد بعد الغروب فقد عاد في وقت الوقوف، فمقتضى القياس أنه لا شيء عليه، كما لو عاد قبل الغروب)).
اسم الکتاب : مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف    الجزء : 1  صفحة : 452
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست