اسم الکتاب : مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف الجزء : 1 صفحة : 248
الإحرام إلى الشروع في الإحلال، ففي الحج يلبِّي إلى أن يأخذ في رمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى أن يشرع في الطواف، قال أحمد: الحاج يُلبِّي حتى يرمي جمرة العقبة، وفي رواية يقطع عند أول حصاة، وقال في رواية الجماعة في المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الركن. وهذا هو المذهب)) [1].
وأما قطع التلبية في الحج إذا رمى جمرةالعقبة؛ فلحديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما: أن أسامة - رضي الله عنه - كان رِدْفَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: ((لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُلبِّي حتى رمى جمرة العقبة)) [2].
وفي لفظ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يُلبي حتى رمى الجمرة)) [3].
وفي لفظ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن الفضل: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة)) [4][5]. [1] شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 609. [2] متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب الركوب والإرداف في الحج، برقم 1543، 1544، وباب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي الجمرة، والإرداف في السير، برقم 1686، 1687. ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1281، 1282. [3] متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التلبية والتكبير غداة النحر، برقم 1685، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1282. [4] متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، برقم 1670، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1281. [5] قال الإمام النووي رحمه اللَّه: ((قوله لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) دليل على أنه يستديم التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة غداة يوم النحر، وهذا مذهب الشافعي، وسفيان، والثوري، وأبي حنيفة، وأبي ثور، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين، وفقهاء الأمصار، ومن بعدهم.
وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع.
وحُكي عن علي وابن عمر، وعائشة، ومالك، وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة، ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف.
وقال أحمد، وإسحاق، وبعض السلف: يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة.
ودليل الشافعي والجمهور هذا الحديث الصحيح مع الأحاديث بعده، ولا حجة للآخرين في مخالفتها، فيتعين اتباع السنة)) [شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 31].
وانظر أيضاً: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 347، فقد قال: ((وإذا عرفت مما ذكرنا أول وقت التلبية، وأنه وقت انعقاد الإحرام، فاعلم أن الصحيح الذي قام عليه الدليل: أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي رميه إياها))، مما يدل على أن التلبية يديمها الحاج في عرفات، ومزدلفة وغير ذلك حتى يرمي جمرة العقبة، حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد اللَّه ونحن بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: ((لبيك اللَّهم لبيك)). وفي لفظ: أن عبد اللَّه بن مسعود لبَّى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟ فقال عبد اللَّه: أنسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان: ((لبيك اللَّهم لبيك)). وفي لفظ عن عبد الرحمن بن يزيد والأسود بن يزيد قالا: سمعنا عبد اللَّه بن مسعود يقول بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة هاهنا يقول: ((لبيك اللَّهم لبيك)) ثم لبَّى ولبينا معه)) [مسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، برقم 1283]، قال النووي رحمه اللَّه في شرحه على صحيح مسلم، 9/ 32: ((فيه دليل على استحباب إدامة التلبية بعد عرفات، وهو مذهب الجمهور كما سبق)).
وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 348: ((وإذا علمت الصحيح الذي دلت عليه النصوص، فاعلم أن في وقت انتهاء التلبية مذاهب للعلماء غير ما ذكرنا:
فقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة أنه يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف.
وعن علي، وأم سلمة أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم عرفة، وهذا قريب من قول سعد وعائشة.
وكان الحسن يقول: يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة.
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة، فإذا غدا ترك التلبية، وكان يترك [التلبية] في العمرة إذا دخل الحرم)) ثم قال: ((والتحقيق أنه لا يقطعها إلا إذا رمى جمرة العقبة، لدلالة حديث الفضل ابن عباس الثابت في الصحيح على ذلك دلالة واضحة، ودلالة حديث ابن مسعود الثابت في الصحيح على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بمزدلفة أيضاً، ولم يثبت في كتاب اللَّه ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يخالف ذلك، والعلم عند اللَّه تعالى)) [أضواء البيان 5/ 348 - 349]، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 533.
والخلاصة: أن التلبية لا تقطع إلا إذا رمى الحاج جمرة العقبة؛ لحديث الفضل، وأسامة، فإذا شرع في الرمي بأول حصاة قطع التلبية؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة)) [ابن خزيمة، 4/ 281، والبيهقي في السنن الكبرى، 5/ 137، وقال الألباني في تخريج سنن ابن خزيمةـ 4/ 281: ((إسناده صحيح لغيره)).
قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، 5/ 348: ((ومن القرائن الدالةعلى ذلك: ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة، فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير مع الحصاة؛ لتتابع رمي الحصيات)).
ولكن أخرج الإمام ابن خزيمة رحمه اللَّه بسنده عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن أخيه الفضل - رضي الله عنه - قال: ((أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة)) [صحيح ابن خزيمة، 4/ 282، برقم 2887، وقال الألباني في هذا الموضع: إسناده صحيح من طريق ابن عباس، وليس فيه ثم قطع التلبية مع آخرها، السنن الكبرى للبيهقي، 5/ 137 من طريق ابن خزيمة مثله، قال البيهقي، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة: هذه زيادة غريبة، وانظر فتح الباري].
قال الإمام ابن خزيمة، 4/ 282: ((فهذا الخبر يصرح أنه قطع التلبية مع آخر حصاة لا مع أولها)). قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، 5/ 348: ((وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا ينبغي العدول عنها)).
وذكر الإمام الشوكاني أن من قال أن التلبية تستمر إلى رمي جمرةالعقبة اختلفوا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي، فذهب جمهورهم إلى الأول [أي يقطعها مع رمي أول حصاة] وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة ... وساق الحديث، ثم قال الشوكاني: ((والأمر كما قال ابن خزيمة؛ فإن هذه زيادة مقبولة، خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد، وقبولها متفق عليه كما قرر في الأصول)). [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 306]. وسمعت شيخنا ابن باز يقول رحمه اللَّه أثناء تقريره على فتح الباري لابن حجر، 3/ 533: ((حديث ابن خزيمة هذا فيه نظر؛ لأنه انفرد به والتلبية تقطع عند الرمي لأول حصاة)).
اسم الکتاب : مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف الجزء : 1 صفحة : 248