النوع الثاني: أن يكون الدين على معسر, أو جاحد, أو مماطل, فالصحيح من أقوال العلماء أنه لا يلزم صاحب الدين أداء الزكاة عنه حتى يقبضه من هذا المعسر أو المماطل, فإذا قبضه استقبل به حولاً جديداً, فإذا حال الحول زكاه, ولا تلزمه زكاته إذا قبضه إلا بعد حول كامل على الصحيح، ولو زكاه بعد قبضه عن سنة واحدة كان أحسن وفيه احتياط, لكن لا يلزمه ذلك, وهذا اختيار شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى [2]، والله تعالى أعلم. [1] مجموع فتاوى الإمام ابن باز, جمع الطيار وأحمد الباز، 5/ 27، 29، وجمع الشويعر، 14/ 53. [2] اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة الدين الذي على المعسر، أو الجاحد، أو المماطل، أو المغصوب، أو الضائع على أقوال:
القول الأول: لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، وأهل العراق، وأحد القولين للشافعي. قال الإمام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص 146: ((لا تجب الزكاة في دين مؤجل أو على معسر، أو مماطل، أو جاحد، ومغصوب ومسروق، وضال، وما دفنه ونسيه، أو جهل عند من هو؟)).
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((الصحيح أن الدين إذا كان على معسر لا وفاء له، أو على مماطل لا يقدر على الاستيفاء منه، أو كان المال مسروقاً، أو ضالاًّ، أو نحوه مما لا يقدر عليه صاحبه ولا ينتفع به لا زكاة فيه إذا قبضه حتى يحول عليه الحول بعد قبضه؛ لأن الله بحكمته شرع الزكاة في الأموال النامية المقدور عليها، وهذه الأموال المذكورة لا يقدر عليها أصحابها ولا هي معدة للنماء)) [المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص 75]. ...
القول الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى؛ لأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول للشافعي؛ لما روي عن علي - رضي الله عنه - في الدين المظنون، قال: ((إن كان صادقاً فليزكيه إذا قبضه لما مضى)) وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما [رواهما أبو عبيد في الأموال: 431، 432]. وهو قول الثوري، وأبي عبيد، وصحح الألباني رحمه الله قول علي - رضي الله عنه - في الدين الظنون، في الإرواء، 3/ 252. [قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية، 3/ 164: ((لا زكاة في الدين الظنون))، قال: ((هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا؟))].
القول الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد، جاء ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، والليث، والأوزاعي، ومالك؛ لأنه كان في ابتداء الحول بيده ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد. ورجح هذا القول العلامة محمد بن صالح العثيمين فقال: ((والراجح أنه يزكيه حين القبض لسنة واحدة فقط ولو بقي عدة سنوات، ومثل ذلك المال المدفون المنسي فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة ثم نسيه فيزكيه سنة عثوره عليه فقط)) [الشرح الممتع، 6/ 32].
انظر: جميع هذه الأقوال في المغني، لابن قدامة، 4/ 270، والشرح الكبير في المقنع والإنصاف، 6/ 325، والشرح الممتع، 4/ 29 - 31.
اسم الکتاب : منزلة الزكاة في الإسلام المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف الجزء : 1 صفحة : 57