من أغنيائنا، فوضعها في فقرائنا، وكنت غلاما يتيما، فأعطاني منها قلوصا [1].
وإن كان لا يظهر في أن الحنفية وغيرهم يقصرون اللفظ على الجباية دون التفريق والتوزيع، لكن لعلهم اكتفوا بالأول لدلالته على الثاني؛ لذا فقد جعل بعض الفقهاء المعنى عامًّا لكل مَن يحتاج إليه فيها، كما صنع ابن قدامة -رحمه الله- حيث قال عن العاملين عليها: "وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومَن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيّال والوزَّان والعدَّاد، وكل مَن يحتاج إليه فيها" [2].
وقد قال الماوردي [3] -رحمه الله- في هذا المعنى ما نصه: "السهم الثالث [1] رواه الترمذي، أبواب الزكاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء أن الصدقة تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، برقم: (644)، وأخرجه الدارقطني، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها، برقم: (7)، (2/ 137). وفيه أشعث بن سوار؛ ضعفه ابن حجر في تقريب التهذيب، برقم: (524)، وضعفه الألباني خلال حكمه على سنن الترمذي نفس المصدر السابق: إلا أنه عند البيهقي، كتاب الزكاة، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم، برقم: (12919) رواية عن الأعمش عن عون بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة، لكن فيه أبو أمية محمد بن إبراهيم وإسماعيل بن زكريا، وقد وصفهما ابن حجر بأنهما صدوقان في التقريب (445)، فلعل بهذا يقوى سند أشعث بن سوار. والله أعلم. [2] المغني 9/ 312، وانظر الإنصاف 3/ 221 حيث قال فيه: "العامل على الزكاة: هو الجابي لها والحافظ لها والكاتب والقاسم والحاشر والكيال والوزان والعداد والساعي والراعي والسائق والحمال والجمال ومن يحتاج إليه فيها غير قاض ووال". [3] الماوردي: هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي، قيل: نسبته إلي بيع ماء الورد، ولد بالبصرة سنة 364 هـ، وانتقل إلى بغداد، وهو إمام في المذهب الشافعي، وهو أول من لقب بأقضى القضاة في عهد القائم بأمر الله العباسي. وكانت له المكانة الرفيعة عند الخلفاء وملوك بغداد. إنّهم بالميل إلى الاعتزال. وتوفي في بغداد. من تصانيفه: الحاوي في الفقه والأحكام السلطانية وأدب الدنيا والدين، وقانون الوزارة، توفي سنة 450 هـ. ينظر: طبقات الشافعية 3/ 302 - 314، والشذرات 3/ 258، والأعلام للزركلي 5/ 146.