الماء قلتين، وبين ما لم يبلغهما، وإنما ورد هذا الحديث للفصل والتحديد بين المقدار يَنْجُسُ والذي لا يَنْجُسُ.
ويؤكد ذلك ما جاء في إحدى روايات أبي داود أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإنه لا ينجس".
وأما جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - السائل بقوله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا".
ففيه نوع مما ذكره في جوابه عن ماء البحر من البلاغة والفائدة, لأنه ذكر الجواب مُعَلَّلاً بذكر السبب المانع من نجاسته وهو: بلوغ القلتين وتَحَدُّدُ الحَدِّ ظاهر عند السائل لايحتاج مع سماعه إلى استفسار وإيضاح، وهو معرفة مقدار القلة، ولو لم تكن عند ظاهرة معروفة لم يحده بها, ولو أنه أجابه فقال إنه طاهر، وأنه ليس بنجس, لكان قد حصل غرض السائل، ولكنه عدل عنه إلى هذا الجواب المعلل المحدد، لما فيه من زيادة البيان، وتأكيد الإيضاح، ولأنه لو لم يحده بذلك، لكان الكثير والقليل في الحكم سواء، وذلك في محل الإبهام، حيث كان الحكم عنده التحديد في القِلَّةِ بالقُلَّتَيِنْ.
والذي ذهب إليه الشافعي. والعمل بالقلتين المحددتين بما سبق، من ذكر قوله: وأنه متى وقَعَ في الماء الراكد الذي هو: خمس مائة رطل بالعراقي فصاعدًا نجاسةٌ فلم تغير طعمه، ولا لونه، ولا ريحه، فإنه طاهر طهور -يَرْفع الحدث ويزيل النجس, فإن تغير أحد أوصافه فهو نَجِسٌ، والذي ورد به الشرع من هذه الأوصاف: الطعم، والريح.
وحمل الأئمة اللون عليهما، لأنه أدل على غلبة النجاسة فإذا. أخذ من القلتين اللتَينْ فيهما النجاسة العينية شيء، فنقص الماء عن القلتين فالموجود طاهر، والباقي نجس سواء تغير أو لم يتغير.
ووافَقَ الشافعيَّ على العمل بالقلتين: أحمدُ بن حنبل، وإسحاقُ بن راهويه،