مائة جزء، بين حالته إذا كان مستقبلا بين يديه بجميع وجهه، وبين حالته إذا كان مستقبلًا للبيت بجميع وجهه، هذا انحراف من هو في طرف هذا الصف من المصلين، فأما انحراف كل مُصَلٍّ عن من إلى جانبه ممن يقرب إلى الوسط، فإنه جزءً من ألف جزء وأربع مائة جزء من ذراع، وذلك جزء من خمسة عشر جزءًا، من عرض شعيرة بالتقريب، هذا إذا فرضنا الصف مستقيمًا.
فأما إذا فرضناه قطعة من دائرة، فإن كل واحد من المصلين ينحرف إلى يمينه أو يساره، جزءًا من ثلاثة آلاف جزء وخمس مائة جزء من ذراع، وذلك جزء من ستة وثلاثين جزء من عرض شعيرة بالتقريب، وهذا المقدار في هذا الصف المشتمل على ألف رجل، شيء لا يدركه الحس ولا يتناوله الاجتهاد.
وليس هذا الذي ذكرناه مما يرتاب به ممن يقف على حقيقته، ولولا ما في بيانه من الإطالة والدقة على فهم أكثر من يسمعه من الواقفين عليه، لبسطنا القول فيه وأوردناه مبرهنًا محقَّقًا كما عرفنا، فليعلم السامع لما قلناه صحة ما ذهب إليه الشافعي -رحمه اللَّه-، وإدراكه بهذا المعنى الذي شرحناه.
وأخبرنا الشافعي: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كاد يقول: "صلى - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلَتِ القبلة قبل بشهرين".
وهذا حديث مرسل، هكذا أخرجه مالك في الموطأ [1] مرسلًا، وقد أخرج البخاري [2]، ومسلم [3]، وأبو داود [4]، والترمذي [5]، هذا المعنى مسندًا بأتم منه وأطول. [1] الموطأ (1/ 174 رقم 7). [2] البخاري (399). [3] مسلم (525). [4] لم أقف عليه عنده وقال المباركفوري في شرح الترمذي (2/ 265): أخرجه الجماعة إلا أبا داود.
قلت: وقد بحثت عنه في مظانه فلم أجده، وقد أخرجه بنحوه من حديث أنس بن مالك (1045). [5] الترمذي (340).