responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 361
فإذا أدرك نبيك، أيها العبد، ما لم تدرك فاعلمْ أنه يرى من حيث لا ترى وذلك سواء، ولا يستبعد ذلك إلا جاهل؛ فقد خلق الله المرآة دليلاً على غيب القدرة فإنك ترى فيها نفسك وترى فيها ماوراءك، وليس الذي تراه في المرآة مثالاً بل هو نفس المرئي بعينه؛ والدليل القاطع على ذلك أن المرآة تكون فيِ غلظ قشرة البيضة ثم تقابل بها وجهك فتدنو من المرآة فترى الدنو فيها، وتبتعد عنها ذراعًا وذراعين فترى البعد فيها، ومحال أن يكون ذلك الدنو والبعد الكثير في غلظ قشر البيضة، فدل على أن الذي تدرك إنما هو حقيقة المرئي.
حديث: "كَانَ يَأْتِي قُبَاءً رَاكِباً وَمَاشِياً" [1]، وقال - صلى الله عليه وسلم - "لا تَعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدٍ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذَا وَمَسْجِدِ إِيلِيَّاءَ" [2] الحديث.
فثبت فضل هذه الثلاثة مساجد بالقول والفعل، ثم حدثت البدع في الخلق فعادوا يختارون المساجد، وليس في الأرض مسجد له فضل على غيره لا هم إلا مساجد الثغور [3] لما فيها من فضل الرباط، ولكن تفطَّن مالك، رضي الله عنه، لسعة باعه في العلم، وعِظَمِ اطّلاعه بالنظر، إلى مسألة فأتت من سواه وذلك أنه قال: (مَنْ نَذَرَ أنْ يَصُومَ في مَسْجِدِ الربَاطِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ" [4] وذلك لأن حماية الثغر تجتمع مع الصوم ولا تجتمع مع الصلاة.
حديث أبي قتادة في حمل النبي أمامة قال فيه مالك: "كَانَ يصلي وَهُوَ حَامِلٌ

[1] متفق عليه. البخاري في صلاة التطوع باب من أتى مسجد قباء كل سبت 2/ 76، ومسلم في الحج باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته 2/ 1016، وشرح السنة 2/ 343، ومالك في الموطأ 1/ 167، كلهم من حديث ابن عمر.
[2] مسلم في الحج باب لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد 2/ 1014 - 1015، وأبو داود 2/ 216، والبغوي في شرح السنة 2/ 337، والنسائي 2/ 37 - 38، كلهم من حديث أبي هرَيْرَة. قال البغوي: تخصيص هذه المساجد لما أنها مساجد الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، وقد أمرنا بالاقتداء بهم قال الله سبحانه وتعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام 90) ولو نذر أن يصلّي في مسجد من هذه المساجد الثلاثة يلزمه أن يأتيه فيصلي فيه، فإن صلَّى في غيرها من المساجد لا يخرج عن نذره، ولو نذر أن يصلّي في مسجد سواها لا يتعين وعليه أن يصلي حيث شاء. شرح السنة 2/ 337.
[3] الثغر هو الموضع الذي يكون حدًا فاصلًا بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد. النهاية 1/ 213، وانظر لسان العرب 4/ 103.
[4] انظر بداية المجتهد 1/ 316، ومواهب الجليل 2/ 459.
اسم الکتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 361
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست