الحديث الثامن عشر
الاغتسال قبل الإهلال
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَجَرَّد لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ] [1].
هذا الحديث يروى من طريق عبد الله بن يعقوب المدني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن طارق بن زيد عن أبيه، وعبد الله بن يعقوب فيه جهالة وعبد الرحمن ضعيف، وابن يعقوب قد توبع لكن مدار الحديث على أبي الزناد، فالحديث لا يثبت.
وفي صحيح مسلم حديث جابر - وسيأتي - أن أسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي» [2].
وهذا الاغتسال عند الميقات للدخول في النسك حجًّا كان أو عمرة هل هو لأجل النظافة أو هو عبادة محضة؟
قال بعضهم: إن هذا معقول لأجل النظافة وحصول النشاط، فعلى هذا لو عُدِمَ الماء فإنه لا يتيمم؛ لأن المقصود التنظيف لا رفع الحدث، وهذا اختيار شيخ الإسلام، والدليل معه حديث أسماء بنت عميس أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي نفساء أن تغتسل، والمعلوم أن النفساء لو اغتسلت ما ينفعها الغسل، فلا يرتفع حدثها لتجدده ولكن المقصود النظافة، وهذا هو الصحيح.
وصح عن ابن عمر قوله: «إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم ...» [3] فهذا الاغتسال سببه عقد الإحرام فهو عام لكل محرم. [1] أخرجه الترمذي (830)، والدارمي (2/ 31)، والدارقطني (ص256)، والبيهقي (5/ 32).
قال العلامة الألباني في الإرواء (1/ 188، 189 حديث رقم 149):
هذا سند حسن؛ فإن عبد الرحمن بن أبي الزناد وإن تكلم فيه فإنما ذلك لضعف في حفظه لا لتهمة في نفسه، وليس ضعفه شديدًا فهو حسن الحديث لاسيما في الشواهد ومن شواهد حديثه هذا:
- ما أخرجه الدارقطني والحام (1/ 447) والبيهقي: عن يعقوب بن عطاء، عن ابن عباس قال (اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لبس ثياب فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيره فلما استوى به على البيداء أخرج الحج). وقال الحاكم: «صحيح الإسناد؛ فإن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ممن جمع أئمة الإسلام حديثه». ووافقه الذهبي مع أن يعقوب بن عطاء أورده ي «الميزان» وحكى تضعيفه عن أحمد وغيره ولم يذكر أحدا وثقه! فأنى له الصحة؟!
ولذلك قال البيهقي عقبه: «يعقوب بن عطاء غير قوي».
وقال الحافظ في «التلخيص» (ص208): «ضعيف»، وكذا قال في «التقريب».
- ومن شواهد أيضًا قول ابن عمر: «إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة» رواه الدارقطني والحاكم وقال: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي، وإنما هو صحيح فقط فإن فيه سهل بن يوسف ولم يرو له الشيخان.
وهذا وإن كان موقوفًا فإن قوله: «من السنة» إنما يعني سنته - صلى الله عليه وسلم - كما هو مقرر في علم أصول الفقه ولهذا فالحديث بهذين الشاهدين صحيح إن شاء الله تعالى. [2] رواه مسلم (1218) في حديث جابر - رضي الله عنه - الطويل وسيأتي. [3] رواه الحاكم في المستدرك (1/ 615)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، لكن العلامة الألباني قال كما سبق من قليل أن هذا ليس بصواب بل هو صحيح فقط؛ لأن فيه من ليس من رجال الصحيحين، وأيضًا رواه الدارقطني (2/ 220)، وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 423)، والبيهقي (5/ 33).