يقول المؤلف - رحمه الله -: (كتاب الحج) أي: هذا كتاب الحج، ثم بدأ بفضله وبيان من فرضه عليه، والحج لا شك أنه ركن من أركان الإسلام فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بني الإسلام على خمس ...» وذكر الصيام الركن الرابع ثم ذكر الحج [1]، وفي رواية أنه ذكر الحج ثم ذكر بعده الصيام [2]، وهذه رواية البخاري فيها تقديم الحج وتأخير الصيام، ولكن المشهور في الأحاديث في ترتيب أركان الإسلام أن الحج هو آخرها، وهذه رواية مسلم في صحيحه وأصحاب السنن وغيرهم ففيها تقديم الصيام على الحج.
ولن نطيل الكلام في مسألة فرضية الحج، إنما الكلام في المسائل التي تحتاج بحث ونظر.
ومن المسائل المهمة:
متى فرض الحج؟
وعلى هذا ينبني الخلاف في مسألة وجوب الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟.
الصحيح أن الحج فرض في العام التاسع من الهجرة، وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. فهذه الآية نزلت في صلح الحديبية في العام السادس، وهذه الآية ليس فيها إلا إتمام فرائض الحج والعمرة وسننهما كما فسرها جماعة من السلف من الصحابة والتابعين.
وأما فرض الحج فهو في آية آل عمران {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ [3] الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
فمن باب الاستطراد النافع نقول: [1] أخرجه مسلم (19)، والترمذي في الجامع (2609)، والنسائي في المجتبى (5001)، وغيرهم من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد. [2] أخرجه البخاري رقم (8)، ومسلم (20، 21) وقد تكلم الحافظ ابن حجر على هذه الرواية كلاما جيدًا فانظره في شرح الحديث، وأيضًا كلام الإمام النووي في شرح حديث رقم (16) من صحيح مسلم وقد أورد كلام أهل العلم في النظر فيها فانظره ففيه فوائد. [3] هكذا الأفصح أن يقال حِج البيت وليس حَج البيت كما هو كتاب الله وأيضًا يقال ذو الحِجة.