اسم الکتاب : فيض الباري على صحيح البخاري المؤلف : الكشميري، محمد أنور شاه الجزء : 1 صفحة : 78
وبالجملة: فلا إيراد على الإمام البُخاري في افتتاحه الصحيح بالتسمية دون التحميد، وما يُذكر من حمل الابتداء بالحقيقي في لفظ، وبالإضافي في لفظ، أو العرفي، فلا يُعبأ به، لأن مدارَ ذلك على تعدُّد الحديث. وذِكَرُ الاحتمالات التِّسْعةِ من بين صحيح وباطل ههنا كلها من سَقْط الكلام.
(باب): لفظُ الباب مضاف. أو مبني كمَثْنَى وثُلاث. قال الرَّضِيّ: إن المفردات على سبيل التوارد مبنية. وقد عَلِمت من عادات المصنِّف رحمه الله تعالى أنه يُصدِّرُ الأبواب بصيغة السؤال، ولا يجيب عنه، بل يوجه النَّاظر إلى الحديث ويكون الجواب فيه.
(بَدْء): مهموز، وقيل: بدو، بمعنى الظهور، والأول أولى، لما في بعض النسخ: «كيف ابتداء الوحي» ولأنه نظير قوله فيما بعد: «بَدْء الأذان» و «بدء الحيض»، فهذا بَدء الوحي على شاكلة أخويه. واعتُرضَ عليه، أنه لو قال: كيف كان الوحي؟ لكان أحسن، لأنه تعرض فيه لبيان كيفية الوحي مطلقًا، لا لبيان كيفية بدء الوحي فقط. وأجاب عنه شيخ الهند رحمه الله تعالى أن البدء ههنا عام، سواء كان زمانيًا، أو مكانيًا، أو باعتبار صفات المَوْحَى إليه، فيدخل فيه سائر ما يتعلق بالوحي، وجواب آخر للشاه ولي الله رحمه الله تعالى فراجعه من تراجمه.
وما سنح لي بعد الإمعان في صنيعه، والنظر إلى نظائره، كبدء الأذان وبدء الحيض، أن البَدء عنده لا يختصُ بالحصة الابتدائية، بل يعتبر مما يضاف إليه لفظ البدء بما فيه من أحواله أولًا، ثم يضاف إليه لفظ البدء ثانيًا، ثم يُسأل عنه أن بدء هذا المجموع كيف كان؟ وحينئذٍ فيندرج تحته جميع أحواله، وهكذا فعل المصنف رحمه الله تعالى فيما بعد أيضًا. فقال: «بدء الأذان، وبدء الحيض»، ثم لم يقتصر على أول الحال فقط، بل ذكر حالهما من الأول إلى الآخر، ففهمت من صنيعه أنه لا يريد من لفظ البدء البداية في مقابل النهاية، بل بدؤه بعد أن لم يكن، ووجوده من كَتْم العدم، فهو سؤال عن هذا الجنس بتمامه، أنه كيف بدأ؟
فالحاصل: أن معناه، السؤال عن جنس الوحي، وجنس الأذان، وجنس الحيض، أنه كيف جاء من كتم العدم إلى ساحة الوجود؟ وحينئذٍ معناه كونه بعد أن لم يكن، لا بدايته قبل نهايته، وهذا التصرف في لفظ البدء مستفادٌ من كلام المصنف رحمه الله تعالى نفسه، لا أني تصرفت في كلامه، وصرفته عن ظاهره [1]. [1] ويقول العبد الضعيف، وتؤيده نسخة البدو: وإن نظر فيها الحافظ رحمه الله تعالى، لأن بدء الوحي بهذا المعنى هو بدوه وظهوره، فصار مآل النسختين واحدًا، غير أن النظر في البدء إلى ظهوره أولًا، بخلاف البدو، فإنه الظهور مطلقًا، فإن شئت قلت: كيف ظهر الوحي وكيف بدأ؟ وإن شئت قلت: كيف وجدت تلك الحقيقة أولًا، فهو إذا بمعنى لا سابق له، لا بمعنى المتقدم على الغير، كما في الفقه، لو قال: "أول عبد أملكه فهو حر، فملك عبدًا عتق" مع أنه لم يملك غير هذا العبد، فكذلك معنى بدء الوحي وجوده أولًا بعد أن لم يكن، فلم يلاحظ في هذا الاعتبار أجزاء الوحي، ليكون البدء أول أجزائه، بل اعتبرت الحقيقة جملة، كالحقيقة البسيطة، ولا يكون بدؤها إلا ظهورها، ثم معنى الأولية مراعًا فيه، فإن الوحي كان انقطع بعد زمن عيسى عليه السلام ثم بدأ من زمن =
اسم الکتاب : فيض الباري على صحيح البخاري المؤلف : الكشميري، محمد أنور شاه الجزء : 1 صفحة : 78