اسم الکتاب : مجالس التذكير من حديث البشير النذير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 239
ولذا لما خير النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بين أن يكون نبياً ملكاً وأن يكون نبياً عبداً اختار أن يكون نبيا عبدا، فإن الملك لا بد له من مظاهر السيادة والسلطان، وإن كان بعدل وحق كملك داوود وسليمان- عليهما الصلاة والسلام- فاختار -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يكون نبيا بدون هذا المظهر وكان الذي اختار أفضل.
وكان- صلى الله عليه وآله وسلم- في جميع حياته على أكمل حال في التواضع الذي هو من مظاهر كمال عبوديته لربه وكان يقول - صلى الله عليه وآله وسلم-: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد».
وأما قوله "ورسولك" في الحديث المذكور فإن الرسول هو من بعثه الله تعالى- فضلا منه- ليبلغ شريعة. وقيامه بأعباء الرسالة هو من طاعته وعبوديته لربه. فقدم لفط العبد على لفط الرسول تقديم العام على الخاص وتقديم [1] الشرط على المشروط، فإن الرسالة لا يفضل بها الله تعالى إلا أكمل عباده، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وتقديم الترتيب لأنه كان عبدا قبل أن كان رسولا ولأن العبودية للخالق، والرسالة فيها انصراف - بأمر الله - للخلق.
والعبودية والرسالة هما الوصفان اللذان أمرنا النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن لا نتجاوز حدهما في الثناء عليه، فقد قال- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»، فنهانا عن إطرائه في المدح وهو المبالغة والغلو [1] لا تنس أن الشرط لا يلزم من وجوده الوجود فلا يلزم من وجود كمال العبادة - فرضا - وجود الرسالة. لأن النبوة لا تكتسب.
اسم الکتاب : مجالس التذكير من حديث البشير النذير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 239