كيف نشأ الإجماع؟
كان الصحابة ملتفين حول الرسول صلى الله عليه وسلم، يتعلمون منه، ويلازمونه في أموره كلها، وشاهدوا الوقائع والحوادث، وعايشوا التنزيل، ولذلك فهم أعرف الناس بمعاني آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة؛ وإضافة إلى ذلك فقد هيأهم الله - سبحانه وتعالى- لأن يهتدوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتفوا أثره، وفضلهم على من بعدهم بشرف الصحبة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ " [1] . ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا حدثت لهم قضية، تشاوروا فيها، وبحثوا عن دليل عند أحدٍ منهم، فإن لم يجدوا اجتهدوا في الوصول إلى رأي واحد. فإذا استطاعوا أن يجتمعوا على رأي واحد في القضية فعلوا؛ فكان ذلك أساساً للعمل بالإجماع، والاحتجاج به. وقد دل القرآن والسنة على العمل بإجماعهم، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] ، وبهذا يتضح مدى اعتماد هذا المصدر على المصدرين الرئيسين الكتاب والسنة؛"فإن إجماعهم يرجع لنفس النص، أو أنه يكشف عن دليل سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاستحالة اجتماعهم على خطأ أصلاً" [2] ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا [1] رواه مسلم في صحيحه، 1/69-70، كتاب الإيمان، بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الإيمان وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ، الحديث رقم 50. [2] أسباب اختلاف الفقهاء/للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ص 102.