responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السنة كلها تشريع المؤلف : موسى شاهين لاشين    الجزء : 1  صفحة : 77
فكان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتجوز من اللباس والبسطة ويتوسع في اللباس فلا يضيق، ولا يقتصر على صنف بعينه، فلبس الثياب السود والخضر والبيض والحمر وذات الخطوط وذات الأعلام والسادة، وقال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ» [93].

المُبَاحُ تَكْلِيفٌ شَرْعِيٌّ:
إِنَّ الشُّبْهَةَ في أضيق نطاقها تكمن في المباح من أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي سبيلها الحاجة البشرية والعادة البيئية، ولما كان فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ رَدٌّ لما عداها من باب أولى رَكَّزْنَا وَنُرَكِّزُ عَلَيْهَا لِنُثْبِتَ أَنَّ هذا النوع من أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريع، لأنه تكليف شرعي.

نعم المباح نفسه تكليف وإلزام بعدم تجاوزه، والاختيار فيه إنما هو داخل في دائرة الجواز. وهو تكليف وإلزام بفعل أحد الخيارات المباحة، فالأكل والشرب في أصله وجملته واجب، يحرم الامتناع عنه مُدَّةً تُعَرِّضُ النفس للهلاك، والاختيار في المأكول والبدائل واللباس في أصله وجملته واجب، يحرم التجرد منه نِهَائِيًّا وكشف العورة للناظرين والاختيار في بدائل اللبس والملبوس. فالمباح تكليف وتشريع، لكنه ليس تكليفًا بأحد المباحات دون غيره، وإنما هو تكليف من حَيْثِيَّتَيْنِ، حَيْثِيَّةُ الإِلْزَامِ بِعَدَمِ التَّجَاوُزِ، وَحَيْثِيَّةُ التَّحَرُّكِ فِي دَائِرَتِهِ.

يُعَبِّرُ عن ذلك الشاطبي بقوله: (*).
«[وَأَمَّا سَائِرُ الأَقْسَامِ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا] الدُّخُولَ تَحْتَ [خِيَرَةِ] المُكَلَّفِ، فَإِنَّمَا دَخَلَتْ بِإِدْخَالِ الشَّارِعِ لَهَا تَحْتَ اخْتِيَارِهِ، [فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى إِخْرَاجِهَا] عَنِ اخْتِيَارِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ المُبَاحَ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ وَغَرَضٌ؟، وَقَدْ لاَ يَكُونُ؟ [فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَيْسَ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ، بَلْ فِي رَفْعِهِ مَثَلاً، كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ؟] فَكَمْ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَوَدُّ لَوْ كَانَ المُبَاحُ الفُلاَنِيُّ مَمْنُوعًا، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ وُكِّلَ إِلَيْهِ مَثَلاً تَشْرِيعُهُ لَحَرَّمَهُ، كَمَا يَطْرَأُ لِلْمُتَنَازِعَيْنِ فِي حَقٍّ. (الشُّفْعَةُ مَثَلاً، أَوِ الطَلاَقُ، أَوْ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ) ...
فإذن، إِبَاحَةُ المُبَاحِ مَثَلاً لاَ تُوجِبُ دُخُولَهُ بِإِطْلاَقٍ تَحْتَ اخْتِيَارِ المُكَلَّفِ، إِلاَّ مِنْ حَيْثُ كَانَ قَضَاءً [مِنَ] الشَّارِعِ، وَإِذْ ذَاكَ يَكُونُ اخْتِيَارُهُ تَابِعًا لِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَغَرَضُهُ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْتِ الإِذْنِ الشَّرْعِيِّ لاَ بِالاسْتِرْسَالِ الطَّبِيعِيِّ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ إِخْرَاجِ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ حَتَّى يَكُونَ [عَبْدًا لِلَّهِ]» [94].

وَإِلَيْكَ أَمْثِلَةٌ تُوَضِّحُ المَقْصُودَ:
يقول الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [95].

[93] أصله في " البخاري "، وانظر ما يتعلق باللباس في " فتح الباري ": 10/ 264 وما بعدها.
(*) [قارن بالصفحة 55 من هذا الكتاب].
(94) " الموافقات " للشاطبي: 2/ 122 وما بعدها.
[95] [سورة المائدة، الآية: 89].
اسم الکتاب : السنة كلها تشريع المؤلف : موسى شاهين لاشين    الجزء : 1  صفحة : 77
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست