responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق المؤلف : السباعي، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 442
حَنِيفَةَ قَدْ حُمِلَ إِلَىَ بَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ وَفِيهِمْ أَبُوْ يُوَسُفَ وَزُفَرَ وَأَسَدٌ بْنِ عَمْرِوٍ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاء المُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحَمَلُوا مَسْأَلَةَ أَيَّدُوهَا بِالحُجَاجَ، وَّتَنَوَّقُوْا فِيْ تَقْدِيمِهَا، وَقَالُوا: نَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ أََوَّلَ مَا يَقْدِمُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ أََوَّلَ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا تِلْكَ الْمَسْالَةِ، فَأَجَابَهُمْ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُمْ، فَصَاحُوا بِهِ مِنْ نَوَاحِي الحَلَقَةُ، يَا أَبَا حَنِيفَةَ بَلْدَتْكَ الْغُرْبَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «رِفْقًا رِفْقًا مَاذَا تَقُولُونَ؟» قَالُوا: «لَيْسَ هَكَذَا القَوْلُ». قَالَ: «أبِحُجَّةٍ أَمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟» قَالُوا: «بِحُجَّةٍ» قَالَ: «هَاتُوا»، فَنَاظَرَهُمْ فَغَلَبَهُمْ بِالْحِجَاجِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَذْعَنُوا أَنَّ الخَطَأَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «أَعَرَفْتُمْ الآنَ؟» قَالُوا: «نَعَمْ» قَالَ: «فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْصَّوَابُ .. وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ يَكُونُ ذَاكَ. قَدْ صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ». فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمُ عَن القَوْلِ. فَقَالُوا: «يَا أَبَا حَنِيفَةَ ظَلَمْتَنَا وَالصَّوَابُ كَانَ مَعَنَا»، قَالَ: «فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ، وَالأَوَّلُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ قَوْلٌ ثَالِثٌ؟» فَقَالُوا: «هَذَا لاَ يَكُونُ»، قَالَ: «فَاسْتَمِعُوا»، وَاخْتَرَعَ قَوْلاً ثَالِثًا، وَنَاظَرَهُمُ عَلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَيْهِ فَأَذْعَنُوا، وَقَالُوا: «يَا أَبَا حَنِيْفَةَ عَلِّمْنَا»، قَالَ: «الصَّوَابُ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ الذي أَجَبْتُكُمْ بِهِ لِعِلَّةِ كَذَا وَكَذَا. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لاَ تَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الثَلاَثَةِ الأَنْحَاءِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ فِي الفِقْهِ وَمَذْهَبٌ، وَهَذَا الصَّوَابُ فَخُذُوهُ وَارْفُضُوا مَا سِوَاهُ». اهـ.
.

إن من أوتي هذه القدرة العجيبة على تنقيب وجوه الرأي في مسألة واحدة، والقدرة على الدفاع عن كل رأي فيها، هو بلا شك من أدق الناس نظراً وأعمقهم استنباطاً للنصوص، وأقواهم حُجَّةً وبياناً، حتى لا يكون مغالياً فيه مثل الإمام مالك الذي قال عنه: «هَذَا رَجُلٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السَّارِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ لاسْتَطَاعَ».

فلا بدع إذا كان في استنباطه ما يخالف رأي غيره من العلماء ورأي الجمهور من أهل الحديث الذين كانوا يقفون غالباً عند ظواهر النصوص، ويكرهون تعليلها وَرَدِّ بعضها إلى بعض، خصوصاً وقد كان في غمار المُحَدِّثِينَ عَوَاٌّم يَقُولُ عَنْهُمْ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ: «يَكْتُبُ أَحَدُهُمُ الْحَدِيثَ وَلاَ

اسم الکتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق المؤلف : السباعي، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 442
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست