عندئذ أزمعت على إلقاء محاضرة في الموضوع في دار جمعية الهداية الإسلامية - قرب سراي عابدين قَدِيمًا - وأرسلت إدارة الجمعية بطاقات الدعوة لهذه المحاضرة إلى علماء الأزهر وطلابه، فاجتمع يومئذ عدد كبير منهم ما بين أساتذة وطلاب، ومن بينهم أستاذنا الدكتور عبد القادر - الذي رجوته حضور هذه المحاضرة، وإبداء رأيه فيما أقول، فتفضل مشكوراً بالحضور، وأصغى إلى المحاضرة كلها التي كانت تدور حول ما كتبه جولدتسيهر عن الإمام الزُّهْرِيِّ، وختمتها بقولي: هذا هو ما أراه في هذا الموضوع، وهذا هو رأي علمائنا في الزُّهْرِيِّ، فإن كان لأستاذنا الدكتور عبد القادر مناقشة حول الموضوع إن لم يقتنع بما ذكرته، فأرجو أن يتفضل بالكلام، فنهض الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، وقال بصوت سمعه الحاضرون جميعاً: «إِنِّي أَعْتَرِفُ بِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ مَنْ هُوَ الزُّهْرِيُّ حَتَّى عَرَفْتُهُ الآنَ، وَلَيْسَ لِي اعْتِرَاضٌ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْتَهُ»، وَانْفَضَّ الاجتماع، ثم دخلنا غرفة الأستاذ السيد مُحَمَّدٍ الخَضِرْ حُسَيْن - رَحِمَهُ اللهُ - رئيس الجمعية الأستاذ الأكبر للجامع الأزهر فيما بعد - فكان مِمَّا قاله أستاذنا الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، - وكان ذلك بحضور السيد الخضر حسين - رَحِمَهُ اللهُ -: «إِنَّ بَحْثَكَ هَذَا فَتْحٌ جِدِيدٌ فِي بُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ، وَأَرْجُو أَنْ تُعْطِينِي نُسْخَةً مِنْ هَذِهِ المُحَاضَرَةِ لأُبْعَثَ بِهَا إِلَى المَجَلاَّتِ العِلْمِيَّةِ التِي تُعْنَى بِبُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ فِي أَلْمَانْيَا، وَإِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا سَتُحْدِثُ دَوِيًّا فِي أَوْسَاطِ المُسْتَشْرِقِينَ»، فشكرته على ذلك واعتبرته تشجيع أستاذ لتلميذه.
وبعد أيام دعاني لزيارته في البيت، فكان مِمَّا اتفقنا عليه أَنْ نَتَفَرَّغَ معاً في الصيف لترجمة كتاب جولدتسيهر وَالرَدِّ عَلَيْهِ، ولكني اعتقلت بعد ذلك من قبل السلطات العسكرية الإنجليزية في القاهرة في بدء قيام الحرب العالمية الثانية وأقصيت عنها سبع سنوات، وفي خلال هذه الفترة أصدر الدكتور عبد القادر كتابه " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " ولم يتح لي
اسم الکتاب : السنة ومكانتها للسباعي - ط الوراق المؤلف : السباعي، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 35