اسم الکتاب : الشرح المختصر لنخبة الفكر المؤلف : المنياوي، أبو المنذر الجزء : 1 صفحة : 50
عنه تاما بالإسناد الأول [1].
ومنه أن يسمع الحديث من شيخه إلا طرفا منه فيسمعه عن شيخه بواسطة، فيرويه راو عنه تماما بحذف الواسطة [2].
الثالث: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راو عنه مقتصرا على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به، لكن، يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول [3].
الرابع: أن يسوق الإسناد فيعرض له عارض، فيقول كلاما من قبل نفسه، فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد؛ فيرويه عنه كذلك [4]. هذه أقسام مدرج الإسناد).
مدرج المتن:
قال في "النزهة" (ص/227): (وأما مدرج المتن: فهو أن يقع في المتن كلام ليس منه. فتارة يكون في أوله، وتارة في أثنائه، وتارة في آخره، وهو الأكثر؛ لأنه يقع بعطف جملة على جملة، أو بدمج موقوف من كلام الصحابة، أو من بعدهم، بمرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، من غير فصل، فهذا هو مدرج المتن.
ويدرك الإدراج بورود رواية مفصلة للقدر المدرج فيه. أو بالتنصيص على ذلك من الراوي، أو من بعض الأئمة المطلعين، أو باستحالة كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك [5].
وقد صنف الخطيب في المدرج كتابا [6]، ولخصته، وزدت عليه قدر ما ذكر مرتين، أو أكثر [7]، ولله الحمد).
المقلوب:
قال في "النزهة" (ص/227): (أو إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء كمرة بن كعب، وكعب بن مرة [8]؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر، فهذا هو المقلوب، وللخطيب فيه كتاب: "رافع الارتياب". وقد يقع القلب في المتن، أيضا، كحديث أبي هريرة عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله في عرشه، ففيه: "ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". فهذا مما انقلب على أحد الرواة، وإنما هو: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في الصحيحين).
المزيد في متصل الأسانيد:
قال في "النزهة" (ص/228): (أو إن كانت المخالفة بزيادة راو في أثناء الإسناد، ومن لم يزدها أتقن ممن زادها، فهذا هو المزيد في متصل الأسانيد.
وشرطه [9] أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة [10]، وإلا فمتى كان معنعنا، مثلا [11]، ترجحت الزيادة).
مثاله:
قال المناوي في " اليواقيت والدرر" ([2]/ 92): (مثاله: ما روى ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد حدثني بُسْرِ بن عبيد الله سمعت أبا إدريس الخولاني سمعت وَاثِلَةَ يقول: سمعت أبا مَرْثَد يقول: سمعت رسول الله يقول: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. فذكر سفيان وأبي إدريس في هذا الإسناد زيادة ووهم، فالوهم في سفيان ممن دون ابن المبارك، لأن الثقات رووه عن ابن المبارك (عن ابن جابر نفسه من غير ذكر سفيان)، ومنهم من صرح فيه بالإخبار. والوهم في أبي إدريس من ابن المبارك، فإن الثقات رووه عن ابن يزيد فلم يذكروا أبا إدريس (بين بسر وواثلة، ومنهم من صرح بسماع بسر من واثلة). وقد حكم الأئمة - البخاري وغيره - على ابن المبارك بالوهم فيه.
وقد صنف الخطيب في هذا النوع كتابا سماه: (تمييز المزيد في متصل الأسانيد) في كثير منه نظر).
المضطرب:
قال الحافظ: (أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب).
وقال في "النزهة" (ص/228): (أو كانت المخالفة بإبداله، أي: الراوي [12]، ولا مرجح لإحدى الروايتين [13] على الأخرى [14]، فهذا هو المضطرب).
وعلى كلام الحافظ يعرف المضطرب بأنه: ما روى على أوجه مختلفة متساوية القوة.
فاشترط هنا شرطين للحكم على الحديث بالاضطراب وهما: اختلاف روايات الحديث، بحيث لا يمكن الجمع بينها بوجه من الوجه المقبولة، وأن تتساوي الروايات في القوة، بحيث لا يمكن ترجيح رواية على أخرى.
قال الشيخ بازمول في " المقترب في بيان المضطرب" (ص: 40): (وأفاد قوله (على أوجه مختلفة) اشتراط اتحاد المخرج، إذ لو اختلف المخرج لم يكن هناك اختلافاً بين الرواة، ولذلك أئمة أهل الحديث لا يعلون حديثاً بآخر عند اختلاف المخرج وذكر الحافظ العراقي روايات الحوض واختلاف ألفاظها ثم قال: "وكل هذه الروايات في الصحيح قال القاضي عياض: وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجباً للاضطراب؛ فإنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعة من الصحابة" اهـ.
وقال ابن التركماني: "إنما تعلل رواية برواية إذا ظهر اتحاد الحديث" اهـ.
وقال ابن رجب في معرض بيانه لتعليل الأئمة حديثاً بآخر: "واعلم أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين لم يحكم بخطأ أحدهما. وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر أو نقص منه أو تغير يستدل به على أنه حديث آخر. فهذا يقول علي بن المديني وغيره من أئمة الصنعة: هما حديثان بإسنادين" اهـ.
وتعليلهم الحديثين المختلفين سنداً بالاضطراب إنما مرادهم الاضطراب لغة لا اصطلاحاً).
تنبيه:
وزاد الزركشي شرطا آخر فقال في "النكت" ([2]/ 224): (وينبغي أن يقال على وجه يؤثر ليخرج ما لو روي الحديث عن رجل مرة وعن آخر أخرى قال ابن حزم فهذا قوة للحديث وزيادة في دلائل صحته كما إذا روى الأعمش الحديث عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ويرويه غير الأعمش عن سهيل عن أبيه عن أبي سعيد إذ من الممكن أن يكون أبو صالح سمع الحديث من أبي هريرة وأبي سعيد معا فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا انتهى).
وقال الشيخ بازمول في " المقترب" (ص:42): (وكذا أخرج اضطراب الرواة في اسم الراوي ونسبه مع ثقته. وفي مثل هذا يقولون الاضطراب قد يجامع الصحة والحسن).
وقال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في "شرح البيقونية" (ص/108): (وهناك شرط [1] قال القاري: مثاله: حديث رواه أبو داود من رواية زائدة، وشريك - فرقهما -، ورواه النسائي من رواية سفيان بن عيينة، كلهم عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال فيه: " ثم جئت بعد ذلك في زمان برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب ". قال موسى بن هارون: وذلك عندنا وهم. فقوله: " ثم جئت " ليس هو بهذا الإسناد، وإنما هو أدرج عليه عن عاصم، عن عبدالجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل، وهكذا رواه مبينا زهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب، وفصلاها من الحديث، وذكرا إسنادها كما ذكرنا. [2] قال ابن حجر في "النكت" (2/ 834): (وهذا مما يشترك فيه الإدراج والتدليس) أي تدليس الإسناد. مثاله ما ساقه الخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل" (2/ 611) بإسناده عن إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس: "أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من عرينة، فقال لهم رسول الله: لو خرجتم إلى ذود لنا فكنتم فيها فشربتم من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ... الحديث، قال الخطيب: (هكذا روى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري جميع هذا الحديث عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، وفيه لفظة واحدة لم يسمعها حميد من أنس، وإنما رواها عن قتادة، عن أنس، وهي قوله "وأبوالها". بين ذلك مروان بن معاوية الفزازي، ويزيد بن هارون السلمي، وعبد الله بن بكر السهمي، ومعتمر بن سليمان التيمي، ومحمد بن أبي عدي، وبشر بن المفضل في روايتهم جميعا هذا الحديث عن حميد). [3]مثاله ما ذكره الخطيب عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو ابن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ ـ وذلك في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: وهل ترك لنا عقيل بن أبي طالب شيئا، ثم قال: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم قال: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر -يعني بخيف الأبطح ـ قال الزهري: والخيف الوادي، قال: وذلك أن قريشا حالفوا بني بكر على بني هاشم أن لا يجالسوهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يؤووهم".
قال الخطيب: (روى معمر عن الزهري هذا الحديث هكذا سياقة واحدة بإسناد واحد ووهم في ذلك، لأنه حديثان بإسنادين مختلفين، فمن أوله إلى آخر قوله: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" يرويه الزهري عن علي بن الحسين بالإسناد الذي ذكرناه. وما بعد ذلك إلى آخر الحديث إنما هو عند الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة). [4]مثاله حديث: رواه ثابت بن موسى الزاهد عن شَرِيك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ".
وهذا قول شَرِيك قاله في عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد " فأدرجه ثابت في الخبر وجعل قول شَرِيك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم سرق هذا جماعة من الضعفاء من ثابت وحدثوا به عن شَرِيك. [5]مثاله: حديث أبي هريرة: " للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أموت وأنا مملوك " فهذا الكلام الأخير - والذي نفسي بيده - يستحيل أضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرين: [1] - أنه يمتنع أن يتمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصير مملوكا. [2] - أن أمه صلى لله عليه وسلم توفيت وهو صغير، فلم يكن له أم يبرها، فتعين أن يكون هذا من كلام أبي هريرة، وقد جاء ذلك موضحا في الطريق الآخر للحديث. وانظر مقدمة "الفصل" (1/ 29). [6] وهو: (الفصل للوصل المدرج في النقل) نشره دار الهجرة في مجلدين بتحقيق: محمد بن مطر الزهراني. [7] واسمه:"تقريب المنهج بترتيب المدرج" ولخص منه السيوطي رسالته "المَدْرَج إلى المُدْرَج"، ولكنه اقتصر فيه على مدرج المتن دون مدرج الإسناد، ورسالة السيوطي مطبوعة. [8] وكالوليد بن مسلم، ومسلم بن الوليد، وكاليزيد بن الأسود، والأسود بن يزيد، ونحو ذلك. [9] قال اللقاني (2/ 1110): (أي: وشرط إلغاء المزيد، بمعنى: جعل الحكم للناقص دون الزائد. [10] وقال أيضا: (أن يقع التصريح من الناقص يالسماع في موضع تلك الزيادة؛ ليتحقق سماعه بدون واسطة، ولو عبر بدل السماع بما يدل على الاتصال، ليشمل حدثنا، وسمعت، وأخبرنا، وأنبأنا، وقال لي، على الراجح، لكان أولى كما عبروا عنه.
وأنت إذا تأملت، وجدت الشرط مجموع أمرين، هذا أحدهما، وثانيهما: كون من لك يذكر تلك الزيادة أوثق ممن زادها، وإلا ترجحت الزيادة أو الوقف). [11] وقال أيضا: (إنما ذكره ليدخل المؤنن، والمروي بقال من غير حرف جر، وكل ما لا يدل على الإتصال، وترجحت الزيادة؛ لأنها من الثقة مقبولة). [12] قال القاري (ص/481): (أي الشيخ المروي عنه، أو بعضا من المروي، فيكون شاملا لمضطرب المتن أيضا. قال تلميذه: أي بإبدال الشيخ المروي عنه، كأن يروي اثنان حديثا فيرويه أحدهما عن شيخ، والآخر عن آخر، ويتفقا فيما بعد ذلك الشيخ. وقال السخاوي: كأن يروي اثنان أو أكثر، رواية واحدة مرة على وجه، وأخرى على آخر مخالف له). [13] وقد يقع الاختلاف من راو واحد وقد يقع من اثنين أو أكثر، قال الزركشي في "النكت" (2/ 224): ((قوله) هو الذي يختلف الرواة فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف. قد يخرج ما لو حصل الاضطراب من راو واحد وقد يقال فيه تنبيه على دخوله من باب أولى فإنه أولى بالرد من الاختلاف بين راويين). [14] قال القاري: (وأما إن ترجحت إحداهما بأن يكون راويهما أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو غير ذلك، فالحكم للراجحة ولا يكون حينئذ مضطربا).
اسم الکتاب : الشرح المختصر لنخبة الفكر المؤلف : المنياوي، أبو المنذر الجزء : 1 صفحة : 50