اسم الکتاب : خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة المؤلف : عتر الحلبي، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 172
نادرة. فالاحتمال موجود في تصور العقل، لكنه بعيد لغلبة صدق الراوي وأمانته وضبطه للحديث، فكان من منهج العلماء العلمي الدقيق التنبيه على مثل هذا الفرق، لوضع كل شيء في موضعه الذي هو عليه، وإن كان مثل هذا قد يخفى على كثير من الناس، ولا سيما العوام، بل إن عامة الناس، بل بعض أهل العلم الذين لم يمهروا في تطبيق أصول هذا الفن قد يكتفي بتدين الشخص عن اتصافه بالضبط، يقول أحدهم: «حَدَّثَنِي فُلاَنٌ وَهُوَ رَجُلٌ صَدُوقٌ لَوْ قُطِعَتْ عُنُقُهُ لَمْ يَكْذِبْ!». أما المحدث فلا يكتفي بذلك لقبول خبره، حتى يتثبت من ضبطه.
لكن ليس معنى هذا أنه لا يجب التصديق بخبر الواحد الصحيح، كَلاَّ، ثُمَّ كَلاَّ، بل قد قرر العلماء من كل المذاهب لزوم الاعتقاد بالخبر الآحادي الصحيح، كما قرروا وجوب العمل به أَيْضًا، ولم يفرقوا بين الأمرين كما قد يظن.
يقول الإمام السرخسي الحنفي - رَحِمَهُ اللهُ - بعد بيان نحو ما قدمناه [31]: «فأما الآثار المروية في عذاب القبر ونحوها فبعضها مشهورة وبعضها آحاد، وهي توجب عقد القلب عليه، والابتلاء بعقد القلب على الشيء بمنزلة الابتلاء بالعمل به أو أهم ... ».
وقال الإمام البَزْدَوِيُّ في " أصوله " [32]: «فأما الآحاد في أحكام الآخرة فمن ذلك ما هو مشهور ومن ذلك ما هو دونه، لكنه يوجب ضَرْبًا من العلم على ما قلنا، وفيه ضرب من العمل أَيْضًا، وهو عقد القلب .. ».
وقال الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - في " الرسالة " [33]: «أما ما كان نص كتاب بَيِّنٍ أَوْ سُنَّةٍ مجتمع عليها فالعذر فيها مقطوع، ولا يسع الشك في واحد منهما، ومن امتنع من قبوله استتيب.
فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه فيكون الخبر محتملاً للتأويل وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد، فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصًا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله.
ولو شك في هذا شاك لم نقل له: تُبْ، وقلنا: ليس لك إن كنت عالمًا أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم». انتهى.
وغير ذلك كثير لا نطيل به من نقل كلام الأئمة وغيرهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، يدل على أنهم ألزموا قبول خبر الواحد الصحيح في الاعتقاد والعمل، ولم يفرقوا بينهما في حكم اللزوم هذا.
نعم إنهم فرقوا في هذا الموضوع تفريقًا آخر، هو التفريق في بعض النتائج بين خبر الواحد الصحيح وبين الخبر المتواتر. وهذا الفرق هو أنهم قالوا: من أنكر مسالة فكرية وردت في خبر آحادي صحيح فإنه لا يحل له ذلك ويأثم، لكنه لا يكفر، أما إذا جحد ما ثبت بالتواتر القطعي أو بنص القرآن القطعي فإنه يكفر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَى.
والسبب في ذلك ما ذكرناه أن إنكار النص اليقيني القطعي يعني التكذيب بالشارع لا محالة، أما إنكار الخبر الآحادي ففيه شبهة احتمال الإنكار على الرواة، وشبهة خطئهم، لما عرفنا أن رواة الخبر الصحيح غير [31] ج 1 ص 329، 330. [32] ج 1 ص 696. [33] ص 460، 461.
اسم الکتاب : خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة المؤلف : عتر الحلبي، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 172