اسم الکتاب : دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين - ط مكتبة السنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 131
على أنه يجوز أن يكون الحديث سبق لبيان فرط طوله من غير خصوص كونه ستين ذراعًا فيكون المراد به التكثير، ولعل مِمَّا يُقَوِّي هذا الفهم ما رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أُبَيٍّ بْنِ كَعْبٍ مرفوعًا: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلاً طُوَالاً كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ». ومن بعد ذلك كله فما هي الصلة التي بين موافقة ما رواه أبو هريرة عن النَّبِيِّ لما في التوراة وبين ما زعمه من أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار، وكعب لا صلة له بهذه القصة البتة؟!!.
افْتِرَاؤُهُ عَلَى مَالِكٍ فِي إِنْكَارِهِ بَعْضَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ:
ولما كان جُلُّ هَمِّ المؤلف التشكيك في الأحاديث ولا سيما ما رواه أبو هريرة فقد قال في حاشية [ص 175] بعد استشكال الحافظ للحديث: وأنكر مالك هذا الحديث وحديث «إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَإنه - أي الله سبحانه - يدخل في النار يده حتى يدخل من أراد» إنكارًا شديدًا وحديث «كشف الساق» من رواية أبي هريرة في " الصحيحين " - عند البخاري - «فَيَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا».
وإني لأقول للمؤلف وأشباهه:
إن المتكلم في مثل هذه المباحث الشائكة والأحاديث المشتبهة يجب عليه - إن كان بَاحِثًا حَقًّا - أن يدلنا على مصدره، ولا ندري في أي كتاب أنكر مالك هذا (*)، والذي يظهر لي من تتبع كلام المؤلف أنه إذا لم يجد لافتراءاته سَنَدًا يلقي الكلام جزافًا ويرسله على عواهنه، وهذه الأحاديث التي أشار إليها من المتشابهات، وقد شاء الله سبحانه أن يأتي بالمتشابه في قرآنه وأن يأتي به نَبِيَّهُ في أحاديثه، ليكون فتنة لأبي رِيَّةَ وأمثاله الذين لم تشرق قلوبهم بنور الإيمان، ولم ترق عقولهم إلى الإيمان بالمغيبات:
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [1].
ومذهب السلف فيها معروف، ولو أنه كذب على غير مالك لجاز هذا عند بعض الناس أما مالك فمقالته في المتشابه معروفة مشهورة، فقد قال لمن سأله عن الاستواء: «الاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، أَخْرِجُوهُ [1] [سورة آل عمران، الآية: 7].
---------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) جاء في " التمهيد " لابن عبد البر: عن ابن القاسم قال: «سألت مالكًا عَمَّنْ يُحَدِّثُ الحَدِيثَ " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ على وصورته " وَالحَدِيثَ " إِنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِي النَّارِ يَدَهُ حَتَّى يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ " فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْكَارًا شَدِيدًا وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا وَإِنَّمَا كَرِهَ ذلك مالك خَشْيَةَ الخَوْضِ فِي التَّشْبِيهِ بِكَيْفٍ هَا هُنَا». " التمهيد " لابن عبد البر، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، سَنَةَ 1387 هـ، نشر وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب.
اسم الکتاب : دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين - ط مكتبة السنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 131