ورواية البخاري صحيحة ولا شك، يؤيدها قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [2]. وليس في الحديث بعد ثبوته ما يشكل من جهة متنه.
فإن قال قائل: وما ذنبهما حتى يعذبان؟ قلت: قد أجاب عن ذلك الإمام الخطابي فقال: «لَيْسَ المُرَادُ بِكَوْنِهِمَا فِي النَّارِ تَعْذِيبُهُما بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ تَبْكِيْتٌ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُهُمَا فِي الدُّنْيَا لِيَعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَتَهُمْ لَهُمْ كَانَتْ بَاطِلَةً» وليس من شك في أن جمع العابد والمعبود في النار غاية التوبيخ والسخرية والإيلام، وقال الإسماعيلي: «لاَ يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِمَا فِي النَّارِ تَعْذِيبُهُما فَإِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً وَحِجَارَةً وَغَيْرِهَا لِتَكُونَ لأَهْلِ النَّارِ عَذَابًا وَآلَةً مِنْ آلاَتِ العَذَابِ، وَمَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ تَكُونُ هِيَ مُعَذَّبَةً».
وإن قال قائل: وكيف يؤتى بالشمس والقمر ويكوران ويلقيان في النار والنار تضيق بالقمر فضلا عن الشمس، وهذا أمر يعلمه أهل الفلك وغيرهم؟ قلنا: إن ذلك سيكون يوم القيامة، وأحوال يوم القيامة لا تقاس على أحوال الدنيا، فستبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وسيتغير نظام العالم الذي هو عليه اليوم، وشواهد ذلك من القرآن أكثر من أن تحصى، والله سبحانه الذي خلق هذه الأجرام قادر أن يُكَوِّرَ ما يشاء تكويره منها ويخسف ما يشاء من نورها وَيُصَغِّرَ ما هو كبير منها، ويكبر ما هو صغير منها، وهذا مِمَّا لا ينبغي أن يتشكك فيه مُوَحِّدٌ، أما الملحدون واللادينيون فللكلام معهم طريق آخر، ورواية كعب التي ذكرها لم أعثر عليها في كُتُبِ السُنَّةِ ولا التفسير وكتاب " حياة الحيوان " لاَ يُعَوَّلُ عليه في ثبوت الرواية، ولو سلمنا ثبوتها فهي لا تسعف المؤلف ولا تشهد لما قصد إليه من الطعن في أبي هريرة، لجواز أن يكون علم هذا من كتب أهل الكتاب، وليس كل ما فيها باطلاً ففيها الحق والباطل، والقرآن وَالسُنَّةُ الصحيحة هما الشاهدان على ما فيها من حق أو باطل [1] «كتاب بدء الخلق» باب صفة الشمس والقمر، " الفتح ": ج 6 ص 229. [2] [سورة الأنبياء، الآية: 98].
اسم الکتاب : دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين - ط مكتبة السنة المؤلف : أبو شهبة، محمد الجزء : 1 صفحة : 125