اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 150
إلى الحساب الحقيقي للأهلة , وإطراح إمكان الرؤية وعدم إمكانها , فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس , ولو بلحظة واحدة [100].
وما كان قولي هذا بِدَعًا من الأقوال: أن يختلف الحكم باختلاف أحوال المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير , يعرفه أهل العلم وغيرها , ومن أمثلة ذلك في مسألتنا هذه: أن الحديث «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ورد بألفاظ أخرى , في بعضها «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِينَ» ولكن إمامًا عظيما من أئمة الشافعية , بل هو إمامهم في وقته , وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج [101] , جمع بين الروايتين , بجعلهما في حالين مختلفين: أن قوله: «فَاقْدُرُوا لَهُ» معناه: قدروه بحسب المنازل , وأنه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم , وأن قوله: «فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ» خطاب للعامة [102].
فقولي هذا يكاد ينظر إلى قول ابن سريج , إلا أنه جعله خاصًا بما إذا غم الشهر فلم يره الراؤون , جعل حكم الأخذ بالحساب للأقلين , على ما كان في وقته من قلة عدد العارفين به , وعدم الثقة بقولهم وحسابهم , وبطء وصول الأخبار إلى البلاد الأخرى , إذا ثبت الشهر في بعضها , وأما قولي فإنه يقضي بعموم الأخذ بالحساب الدقيق الموثوق به , وعموم ذلك على الناس , بما يسر في هذه الأيام من سرعة وصول الأخبار وذيوعها. ويبقى الاعتماد على الرؤية للأقل النادر , ممن لا يصل إليه الأخبار , ولا يجد ما يثق به من معرفة الفلك ومنازل الشمس والقمر. [100] المرجح أن يبقى بعد الغروب مدة يمكن فيها ظهوره، بحيث يمكن رؤيته بالعين المجردة، وذلك نحو (15) أو (20) دقيقة على ما ذكر أهل الاختصاص. ي. ق. [101] «سُرَيْجٍ» بالسين المهملة المضمومة وآخره جيم، ويكتب خطأ في كثير من الكتب المطبوعة «شريح» بالشين والحاء، وهو تصحيف. وأبو العباس هذا توفي سنة 306 هـ، وهو من تلاميذ أبي داود صاحب " السنن "، وقال في شأنه أبو إسحاق الشيرازي في " طبقات الفقهاء " (ص 89): «كان من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين ... وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى عَلَى المُزَنِيِّ». وله تراجم جيدة في " تاريخ بغداد " للخطيب: (جـ 4 ص 278 - 290) و" طبقات الشافعية " لابن السبكي: (جـ 2 ص 67 - 96). [102] انظر " شرح القاضي أبي بكر بن العربي على الترمذي ": (جـ 3 ص 207، 208)، و" طرح التثريب ": (جـ 4 ص 111 - 113)، و" فتح الباري ": (جـ 4 ص 104).
اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 150