اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 147
وألصقها بحياتها وكيانها الروحي , وهي وسيلة الحساب القطعي.
على أن العلامة المحدث الكبير الشيخ أحمد محمد شاكر - رَحِمَهُ اللهُ - نحا بهذه القضية منحى آخر , فقد ذهب إلى إثبات دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي , بناء على أن الحكم باعتبار الرؤية معلل نصت عليها السنة نفسها , وقد انتفت الآن , فينبغي أن ينتفي معلولها , إِذْ مِنَ المُقَرَّرِ أَنَّ الحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا.
ويحسن بنا أن ننقل هنا عبارته بنصها لما فيها من قوة ونصاعة , قال - رَحِمَهُ اللهُ - في رسالته " أوائل الشهور العربية ":
«فمما لا شك فيه أن العرب قبل الإسلام وفي صدر الإسلام لم يكونوا يعرفون العلوم الفلكية معرفة علمية جازمة , كانوا أمة أميين , لا يكتبون ولا يحسبون , ومن شدا منهم شيئًا من ذلك فإنما يعرف مبادئ أو قشورًا , عرفها بالملاحظة والتتبع , أو بالسماع والخبر , لَمْ تُبْنَ على قواعد رياضية , ولا على براهين قطعية ترجع إلى مقدمات أولية يقينية , ولذلك جعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرجع إثبات الشهر في عبادتهم إلى الأمر القطعي المشاهد الذي هو في مقدور كل واحد منهم , أو في مقدور أكثرهم. وهو رؤية الهلال بالعين المجردة , فإن هذا أحكم وأضبط لمواقيت شعائرهم وعبادتهم , وهو الذي يصل إليه اليقين مما في استطاعتهم ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
لم يكن مما يوافق حكمة الشارع أن يجعل مناط الإثبات في الأهلة الحساب والفلك , وهم لا يعرفون شيئًا من ذلك في حواضرهم , وكثير منهم بادون لا تصل إليهم أنباء الحواضر , إلا في فترات متقاربة حِينًا , ومتباعدة أحيانا , فلو جعله لهم بالحساب والفلك لأعنتهم , ولم يعرفه منهم إلا الشاذ والنادر في البوادي عن سماع إن وصل إليهم ولم يعرفه أهل الحواضر إلا تقليدًا لبعض أهل الحساب , وأكثرهم أو كلهم من أهل الكتاب.
ثم فتح المسلمون الدنيا , وملكوا زمام العلوم , وتوسعوا في كل أفنانها وترجموا علوم الأوائل , ونبغوا فيها وكشفوا كثيرًا من خباياها , وحفظوها لمن بعدهم , ومنها علوم الفلك والهيئة وحساب النجوم.
اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 147