responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 443
فَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمِيرَاثِ فِي بَعْضِ الْمَالِ فَفِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِيَالَةٌ دِينِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ جَمِيعَهُ لَفَاتَهُ بَابٌ مِنْ الْبِرِّ عَظِيمٌ، وَلَوْ سُلِّطَ عَلَيْهِ لَمَا أَبْقَى لِوَرَثَتِهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْهُ شَيْئًا لِأَكْثَرِ الْوَارِثِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ؛ فَقَسَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ الْمَالَ وَأَعْطَى الْخَلْقَ ثُلُثَ أَمْوَالِهِمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِهِمْ، وَأَبْقَى سَائِرَ الْمَالِ لِلْوَرَثَةِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». مَعَ أَنَّهُ كَلَالَةٌ مِنْهُ بَعِيدٌ عَنْهُ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: " خَيْرٌ " هَاهُنَا وُجُوهًا مُعْظَمُهَا أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إلَى ذِكْرِهِ بِالْجَمِيلِ، وَإِحْيَاءُ ذِكْرِهِ هُوَ إحْدَى الْحَيَاتَيْنِ، وَمَعْنًى مَقْصُودٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] وَأَخْبَرَ عَنْ رَغْبَتِهِ فِيهِ فَقَالَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84]
وَإِذَا كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ عَظُمَ قَدْرُهُمْ، وَشَرُفَ ذِكْرُهُمْ فِي الطَّاعَةِ وَذِكْرُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَتَرَكَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَتْرُوكٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَتْرُوكًا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ؛ وَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ الْوَصِيَّةَ مَشْرُوعَةً مَسُوغَةً لَهُ، وَكَّلَهَا إلَى نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي أَعْيَانِ الْمُوصِي لَهُمْ، وَبِمِقْدَارِ مَا يَصْلُحُ لَهُمْ. وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مَفْرُوضَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 443
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست