أيضًا أنه الخالق الرازق" [1].
"وهذه الآيات مألوفة ولكن طبيعة قوة الاستفهام أضفت على هذه الآيات الجدة والحداثة بحيث بدت كما لو أنها أول مرة يرى فيها البصر هذا الكون ويرى فيه القدرة الإلهية المتفردة تدبره وتحكمه، ووجه الاستدلال ما يتبدى من هذا الاستفهام من تقدم قضية الخلق على بقية القضايا المعروضة، لشرفها وعظمتها ولأنها كالأم لبقية القضايا" [2].
ومن منهجه في الاستفهام أن يتخذ أسلوب السبر والتقسيم وذلك بأن يحصر جميع الافتراضات الواردة في القضية ثم يبدأ في تفنيد كل افتراض على حده ويبين أنه غير صالح ولا وجه لقبوله حتى يصل للافتراض الصحيح في المسألة، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [3].
قال ابن سعدي -رحمه الله-: " وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.
وقد تقرر في العقل مع الشرع أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:
إما أنهم خلقوا من غير شيء، أي لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال.
أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور أن يوجد أحد نفسه.
فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث وهو: أن الله هو الذي خلقهم، وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح [1] تفسير ابن كثير: 3/ 381 - 382، وانظر: تفسير البغوي: 3/ 410. [2] منهج القرآن في عرض الظواهر الكونية: 118. [3] الطور: 35 - 36.