المطلب الأول: الأمر بالتفكر في آيات الله الكونية
لقد أنعم الله -عز وجل- على بني آدم بنعم عظيمة سخرها لهم ليعرفوه بها -سبحانه-، فيعبدوه ويوحدوه، ويقوموا بمهمة الخلافة في هذه الأرض، ويحققوا الغاية التي من أجلها خلقهم الله -عز وجل-. وإن من أعظم هذه النعم نعمة العقل والتفكير التي هي خاصية من خصائص الإنسان التي يتميز بها عن سائر الجمادات والعجماوات.
وقد ورد الأمر بالتفكر في كتاب الله في آيات عديدة [1]، سواءً التفكر في الآيات المتلوة، أو الآيات المشاهدة، أو آلاء الله، أو سير الأنبياء مع أقوامهم وعاقبة الفريقين، أو التفكر في الدنيا والآخرة أو غير ذلك.
ونبَّه سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن الكريم إلى أن آياته المتلوة والمشاهدة، وآياته في آلائه ونعمه لا ينتفع بها إلا أولو العقول والألباب والتفكير الصحيح؛ فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [2]، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [3]، في آيات كثيرة.
والتفكر في آلاء الله والسير المأمور به في القرآن الكريم هو: "سير القلوب والأبدان الذي يتولد عنه الاعتبار، وأما مجرد نظر العين وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار فغير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب" [4].
قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ [1] انظر: إحياء علوم الدين- كتاب التفكر: 4/ 501، ومفتاح دار السعادة: 1/ 279. [2] الرعد: 4، النحل: 12، الروم: 24. [3] الرعد: 3، الروم: 21، الزمر: 42، الجاثية: 13. [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المعروف بتفسير ابن سعدي، اعتنى به سعد بن فواز الصميل، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1: 3/ 1106.