ثم إن الله -عز وجل- وإن كان خالقاً للأسباب التي تترتب عليها مسبَّباتها حسب سننه تعالى، فإن ما كان منها شراً فإنه لا ينسب إليه سبحانه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك» [1].
فالسبب" قبيحا من فاعله فلا يقتضى أن يكون قبيحا من خالقه، كما أن كونه أكلا وشربا لفاعله لا يقتضى أن يكون كذلك لخالقه؛ لأن الخالق خلقه في غيره لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لونا وريحا وحركة وقدرة وعلماً كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاما أو صلاة أو صياما أو طوافا كان ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام وهو المصلي وهو الصائم وهو الطائف، وكذلك إذا خلق في غيره رائحة خبيثة منتنة كان هو الخبيث المنتن ولم يكن الرب تعالى موصوفا بما خلقه في غيره" [2]. [1] صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: 1/ 535 برقم (771). [2] منهاج السنة النبوية: 2/ 294 - 295، وانظر مجموع الفتاوى: 8/ 123.