حكمته تعالى، وما فيها من النفع والإحسان والخير دال على رحمته، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دال على غضبه، وما فيها من الإكرام والتقريب والعناية دال على محبته، وما فيها من الإهانة والإبعاد والخذلان دال على بغضه ومقته، وما فيها من ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه إلى تمامه ونهايته دال على وقوع المعاد، وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على إمكان المعاد، وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات، وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالات أحق بها، فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به رسله عنه، فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات، منبهه على الاستدلال بالآيات المصنوعات" [1].
خامساً: بيان الحكمة في خلق هذه الآيات الكونية، وأن ذلك بالحق، وأنها لم تخلق عبثاً.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [2].
فأخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق، أي بالعدل والقسط، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ولا لعبًا [3]، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [4].
فالله -عز وجل- ما خلق السماوات والأرض عبثا، ولا لعبا من غير فائدة، بل خلقها بالحق وللحق الذي لا يصلح التدبير إلا به، ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم، المدبر الحكيم، الرحمن الرحيم، الذي له الكمال كله، والحمد كله، والعزة كلها، الصادق في قيله، الصادقة [1] الفوائد: 32، وانظر: تفسير ابن سعدي: 2/ 699. [2] الدخان: 38 - 39. [3] انظر: تفسير ابن كثير: 4/ 156. [4] ص: 27.