اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 98
فقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فيه تشبيهٌ للزوجينِ باللِّباسِ، لشدَّةِ مخالطتهما فيما بينهما، كما قال الشاعر ([1]):
إذا ما الضَّجِيعُ ثَنَى جيدَهَا ... تَدَاعَتْ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاساً
وتفسيرُه اللِّباسَ في هذه الآية بأنه السَّكنُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من الزوجينِ يسكنُ إلى صاحبِه؛ كما يدلُّ عليه قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21]، فكأنَّه نظرَ إلى هذه الآيةِ ففسَّرَ اللِّباسَ بالسكنِ، وهو تفسيرٌ لا يَخْرُجُ عن معنى المُخالطةِ، لأنَّ الساكنَ مخالطٌ لمسكنِه.
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] ونظيره من سورة النَّبأ، هو من بابِ تشبيهِ الليلِ باللِّباسِ الذي يستُرُ الإنسانَ؛ أي أنَّ اللِّباسَ كما يسترُ جسمَ الإِنسانِ، فكذلك اللَّيل يسترُ الإنسانَ.
وتفسيرُه اللِّباسَ في هاتينِ الآيتينِ بأنه «السكنُ»، كأنَّ فيه إشارةً إلى تفسيرِها بما وردَ في قوله تعالى: و {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67]، وقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [النمل: 86]، وغيرها من الآياتِ الدَّالَّةِ على هذا المعنى الذي لا يَخْرُجُ ـ أيضاً ـ عن معنى المخالطةِ، لأنَّ اللَّيلَ يختلطُ بالإنسانِ ويغطِّيه، فيكون له كاللِّباسِ الذي يلبسُه.
وأما تفسيرُه قولَه تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26] بأنه العملُ الصالحُ، فهو تفسيرٌ على المعنى؛ لأنَّ المرادَ بلباسِ التقوى استشعارُ النَّفسِ تقوى الله، في الانتهاء عمَّا نهى الله عنه، وإتيان ما أمر الله به، وذلكَ يجمعُ الإيمانَ والعملَ الصالحَ [2]، فتلبُّسُه بهذا يدلُّ على المخالطةِ منه لهذه الأمورِ، [1] البيت للنابغة الجعدي، وهو في ديوانه (ص:81). [2] ينظر تفسير الطبري، تحقيق شاكر (12:371).
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 98