اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 667
والمرادُ أنَّ العدولَ إلى ذكرِ النُّزولِ الذي على سبيلِ المثالِ دونَ تحريرِ ألفاظِ الآيةِ من جهةِ اللُّغةِ، إنما هو من باب التَّفسيرِ على المعنى [1].
ومن ذلكَ ما وردَ في نزولِ قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، قال مجاهدٌ (ت: 104): «عرضتُ المصحفَ على ابن عباسٍ ثلاثَ عرضاتٍ، من فاتحةِ الكتابِ إلى خاتمته، أوقفُه عند كلِّ آيةٍ منه، فأسأله عنها، حتى انتهى إلى هذه الآيةِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، فقال ابن عباسٍ: إنَّ هذا الحيَّ من قريشٍ كانوا يتلذَّذونَ بهنَّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ، فلما قَدِمُوا المدينةَ تزوَّجُوا من الأنصارِ، فذهبوا ليفعلوا بهنَّ كما كانوا يفعلون بمكَّةَ، فأنكرنَ ذلكَ وقلنَ: هذا شيءٌ لم نكنْ نُؤتَى عليه. فانتشرَ الحديثُ، حتَّى انتهى إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزلَ الله في ذلك: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، قال: إنْ شئتَ مقبلةً، وإنْ شئتَ مدبرةً، وإن شئتَ باركةً، وإنما يعني بذلكَ موضعَ الولدِ للحرثِ، يقول: ائتِ الحرثَ حيثُ شئتَ» [2].
ويفهمُ من هذا الأثرِ أنَّ معنى «أنَّى شئتم» في الآيةِ: كيفَ شئتمْ، وابن عباسٍ (ت:68) لم يبيِّنْ مدلولَ هذا اللَّفظِ، وإنَّما يُفهمُ هذا من سببِ النُّزول الذي ذكرَه، والله أعلمُ.
الرابع: ذكر المعنى الجملي:
المقصودُ بذلكَ أنَّ المفسِّرَ يُبيِّنُ معنى الآيةِ إجمالاً دونَ التَّعرُّضِ لبيانِ مفرداتِها من خلالِ هذا المعنى الإجمالي الَّذي ذكرَه، وقد مرَّ مثالٌ في تفسيرِ قتادة (ت:117) لقوله تعالى: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، وكذلكَ تفسيرُ الآيةِ السَّابقةِ، هي قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، حيثُ [1] ذكرتُ قيد «على سبيل المثالِ»؛ لأنَّه قد يكونُ ذكرُ النُّزولِ على سبيلِ القياسِ، فيدخلُ في التَّفسير بالقياسِ، وقد مضى تحريرُ ذلك. [2] تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (4:409).
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 667