اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 568
والحكمةِ منَ المصلحين يَرُبُّ أمورَ المسلمينَ، بتعليمِه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكانَ كذلكَ الحكيمُ التَّقِيُّ للهِ، والوليُّ الذي يَلِي أمورَ النَّاسِ على المنهاجِ الذي وَلِيَهُ المقسطونَ منَ المصلحينَ أمورَ الخلقِ، بالقيامِ فيهم بما فيه صلاحُ عاجلِهم وآجلِهم، وعائدةُ النَّفعِ عليهم في دينهم ودنياهم، كانوا جميعاً يستحقُّونَ أنْ يكونوا ممنْ دخلَ في قولِه عزّ وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِّيِّينَ}.
فالرَّبَّانيُّونَ إذاً: هم عِمَادُ النَّاسِ في الفقهِ والعلمِ وأمورِ الدِّينِ والدنيا. ولذلكَ قالَ مجاهدُ: هم فوقَ الأحبارِ؛ لأنَّ الأحبارَ: هم العلماءُ، والرَّبَّانيُّ: الجامعُ إلى العلمِ والفقهِ، البصرَ بالسِّياسةِ والتَّدبيرِ، والقيامَ بأمورِ الرَّعيَّةِ، وما يصلحُهم في دنياهم ودينهم» [1].
وبهذا يُعلم أنَّ لفظَ الرَّبَّانِيِّينَ عربيٌّ، وأنَّ السَّلفَ عرفوه وبيَّنوا معناه، وأنَّ جَهْلَ أهلِ اللُّغةِ به لا يُخرجُه إلى كونه مُعَرَّباً، وأنهم لو اعتمدوا تفسيرَ السَّلفِ في ثبوتِ اللُّغةِ لحكموا بعربيَّتِه، والله أعلم.
وبعد فإنَّ المقصود أنَّ السَّلفَ بطبقاتِهم الثلاث أَقْدَرُ على تحديدِ المعنى العربيِّ للقرآنِ ممنْ جاءَ بعدهم، ولذا فإنَّ الرُّجوعَ إلى تفسيرهم، واعتبارَه في نقلِ اللُّغةِ مما لا بدَّ منه؛ لأنهم: إمَّا عَرَبٌ تُنْقَلُ عنْ مثلِهم اللُّغةُ؛ كالصَّحابةِ وكبارِ التَّابعينَ، وإمَّا أنْ يكونوا في عَصْرِ الاحتجاجِ؛ كصغارِ التَّابعينَ، وكبارِ أتباعِ التَّابعينَ، الذين عاصرَهم اللُّغويُّونَ الذينَ نقلوا اللُّغةَ ودوَّنوها، وأقلُّ حالِ مفسِّري أتباعِ التَّابعينَ أنْ يكونوا بمنزلة هؤلاءِ اللُّغويِّينَ في نقلِ اللُّغةِ، والله أعلم.
ومما ينبغي التنبُّه له: أنَّ تفسيرَ الصحابيِّ ـ خصوصاً ـ مقدَّمٌ على تفسيرِ اللُّغويِّ، كائناً من كانَ هذا اللُّغويُّ، وبهذا قالَ جمعٌ من العلماءِ أو أشارَ، ومن ذلكَ: [1] تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (6:543 - 544).
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 568