اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 530
وهذا الذي ذهبَ إليه غيرُ سديدٍ، بلِ القاعدةُ في ذلك أنْ يُثْبَتَ ما أثبتَهُ اللهُ، فلا يُخَالَفُ ذلكَ بسببِ أدلَّةِ العقولِ التي يزعمها المبتدعةُ، وهي أدلة لا ثباتَ فيها، ولا اتفاق، والله أعلم.
وليسَ في وقوعِ الهَمِّ منه عليه السلام ما يوجبُ التَّشْنِيعَ عليه في نُبُوَّتِهِ ولا أنَّ في ذلك خَلَلاً منه، بلْ كانَ ذلكَ منه حَسْبَ الطبيعةِ البشريَّةِ التي هي جُزْءٌ منَ النَّبيِ صلّى الله عليه وسلّم لا تنفكُّ عنه، ولكنَّ الله عَصَمَهُ منَ الوقوعِ في المعصيةِ، لا مِنَ الهَمِّ بها [1].
والحديثُ في هذه الآيةِ يَطُولُ، ويكفي ذِكْرُ بعضِ أقوالِ أهلِ العلمِ في ردِّ مثلِ هذه التأويلاتِ، فمنْ ذلكَ قولُ أبي عبيدِ (ت:224): «وقدْ زَعَمَ منْ يَتَكَلَّمُ في القرآن برأيه أنَّ يوسفَ صلّى الله عليه وسلّم لم يَهِمَّ بِها، يذهبُ إلى أنَّ الكلامَ انقطعَ عند قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}، قال: ثمَّ استأنفَ فقال: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، بمعنى: لولا أنْ رَأَى برهانَ ربِّهِ لَهَمَّ بها، واحتجَّ بقوله: {ذَلِكَ [1] مفهوم العصمةِ من الأمورِ الشَّائكةِ التي خاضت فيها عقولُ المتكلِّمينَ، ولما لم يكن من قواعدهم الأخذُ بالنصوصِ، فأنَّهم قرَّروا مفهوماً للعِصمةِ، ثمَّ حكَّموه في النصوصِ، فما خالفَ مفهومها عندهم ردُّوه أو تأوَّلوه، وقد سبق نقل قول الشريف المرتضى، وفيه ما يدلُّ على ما ذكرتُ.
والصوابُ في هذا الموضوع وغيره مما يتعلَّقُ بأخبار الأنبياءِ وأحوالِهم أن تُستنطقَ النُّصوصُ الشرعيَّةُ، فيُثبتُ ما أثبتته فلا يُرَدَّ، ويُنفى ما نفتْهُ فلا يُثبتُ.
وإذا تأمَّلتَ حالَ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم، ظهرَ لك أنَّه معصومٌ في التَّبليغِ، إذ لم يردْ البتَّة أنَّ الله أمرَه بأمرٍ، فقال لأمتِه خلاف ما أمره الله، كما يظهرُ لك أنَّ اللهَ لا يُقرُّه على ما يقع منه من الخطأ، وهذا ظاهرٌ في معاتبات الله له.
كما أنَّك تجدُ الله يقولُ: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ *الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 2، 3]، ويقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح: 1، 2]. فلا يصحُّ بحالٍ أنْ تنفيَ ما أثبتَه اللهُ، وإنْ ذهبتَ تتمحَّلُ في التأويلِ، فلا فرقَ بينكَ وبينَ من يعتقدُ الرأي، ثم يستدلُّ له، ويحكِّمُه على ظاهر النصوص. وهذا الموضوع يحتاجُ بسطاً أكثرَ من هذا، وليس هذا محلُّه، والله الموفِّقُ، والهادي إلى سواءِ السبيلِ.
اسم الکتاب : التفسير اللغوي للقرآن الكريم المؤلف : الطيار، مساعد الجزء : 1 صفحة : 530